- تعريف
يعتبر لوين كورت(1980-1947) المؤسس الحقيقي لديناميةالجماعات، و قد عرفها ب"جموع القوى النفسية والاجتماعية المتعددة والمتحركة والفاعلة التي تحكم تطور الجماعة". وحسب هذا التعريف ،يمكن تحديد أهم مجالات دينامية الجماعات في المواضيع التالية: ظروف نشاة وتكوين الجماعات،عوامل تفكك وتماسك الجماعة، خصائص وصفات الجماعة، تأثير الجماعة في سلوك وتفكير ودوافع وتوافق الفرد، سمات وقيم الأفراد ومدى تأثيرها في طبيعة عمل المجموعات، عوامل القوة والضعف في الجماعات.(محمد آيت موحى ،2005).
كما نجد أن تعبير"دينامية الجماعات قد استخدم بمعنيين: الأول يشير إلى مجموع الظاهر التي تنشأ في الجماعات الصغرى، وكذلك القوانين الطبيعية التي تتحكم في هذه الظواهر؛أما الثاني،فيعني مجموع المناهج التي تسمح بالتأثير على الشخصية بواسطة ا لجماعات،والتي تسمح للجماعات الصغرى بالتأثير على التنظيمات الاجتماعية الأكثر اتساعا(التنظيمات الجماعية المعقدة).وتشكل دينامية الجماعات أهم مجالات علم النفس الاجتماعي.(Pédagodie:dictionnaire des concepts clés,1997).
وتهتم الدراسات المشتغلة على دينامية الجماعة بمستويات متعددة من حياة الجماعة، كالعمليات النفسية الاجتماعية التي تحدث داخل الجماعة نتيجة التفاعل بين أفرادها، بعض الظواهر التي تحدث داخل الجماعة ،كالتواصل والأدوار،والمعايير وأهداف الجماعة،وأبعادها الوجدانية والعقلية،كما تهتم بالسيرورات العلائقية في مستواها الواعي، كالتبادلات العقلية، عمليات اتخاذ القرار...وفي مستواها اللاواعي، كعمليات التقمص والتوحيد،والإسقاطات،والاستيهامات الجماعية...(محمد آيت موحى،دينامية الجماعة التربوية، بتصرف).
2- مقاربات دينامية الجماعات
سنقتصر هنا على تصنيف أنزيو و مارتان للمقاربات النظرية لدينامية الجماعة،من خلال كتابهما"دينامية الجماعات الصغرى":
- المقاربة السوسيوميترية: تنظر إلى الشخصية باعتبارها مجموعة من الأدوار، وذرة اجتماعية في الوقت نفسه؛فالأفراد يرتبطون فيما بينهم بواسطة علاقة التعاطف والنفور واللامبالاة.والجماعة في جوهرها مجموعة من الروابط السوسيووجدانية تجمع بين الأعضاء،ويمكن تجسيد هذه الروابط بواسطة السوسيوغرام(خريطة العلاقات الاجتماعية)، وهي روابط تمكن من فهم سلوك ومواقف أفراد الجماعة وتفسيرها. وبقدر ما تكون علاقات التعاطف سائدة داخل المجموعة،يسهل التواصل بين أفرادها؛وبالمقابل تالقيود سيادة علاقات التنافر إلى الصراع. لذلك فإن معرفة خريطة العلاقات السوسيو وجدانية تسهل تصور إستراتيجية التعامل مع الجماعة،وذلك من خلالا إعادة توزيع الأدوار بين أعضائها وفق نظام جديد،وتعزيز تماسكها،والرفع من معنوياتها ومردوديتها.(محمد آيت موحى،2005)
كما يمكننا أن نشير في الأخير إلى أن السوسيوغرام(خريطة العلاقات البين فردية) يسمح بتبيان أنواع العلاقات السائدة داخل الجماعة، ومنها: العلاقات الثنائية المتبادلة والتي تؤشر على وجود تلاحم بين الجماعة، والعلاقات الثلاثية، والعلاقات المتسلسلة، والعلاقات الدائرية...انظر الشكل(سلسلة التكوين التربوي، عدد 2،1995)
علاقة ثنائية علاقة ثلاثية علاقة متسلسلة
علاقة دائرية
مقاربة كورت لوين: تنظر إلى الجماعة على أنها كلية تشكل مع محيطها حقلا اجتماعيا وديناميا، وتتكون عناصرها الأساسية من مجموعاتها الفرعية وأعضائها،وقنوات التواصل فيها ومعيقاته...والذي يهم عند دراسة جماعة ما، هو التشديد على العلائق الدينامية بين العناصر والبنيات، من منظور الترابط المتبادل بين أعضائها، وبينها وبين عناصر الحقل المتمثلة في الأهداف والمعايير وتوزيع الأدوار،ذلك أن أنطمة الترابطات هي التي تفسر ، في وقت معين،عمل الجماعة وسلوكها،وعلاقتها بالمحيط، أي بإجمال ، دينامية الجماعة.
- المقاربة اللاتوجيهية(كارل روجرز): وتنطلق من تصور تفاؤلي عن الشخصية الإنسانية،إذ أن أي كائن إنساني يسعى إ لى أن يطور إمكانياته ويحققها، ويكتسب معرفة أفضل بذاته وبالآخرين إذا متى وفرت له الشروط الملائمة، التي من أبرزها الحرية والتفهم. من هذا المنظور فإن هدف أي جماعة هو أن يقيم أفرادها فيما بينهم علائق إنسانية قائمة على أحاسيس أصيلة وحقيقية.غن الجماعة هنا لاتملك خصوصية محددة،وما يهم هو أن يكون المنشط لا توجيهيا.
- مقاربة النظريات المعرفية: وتتميز بإعطاء الأهمية إلى"متغيرات وسيطة" إلى جانب"المثيرات" "والاستجابات"،أي تركز اهتمامها على ما يحدث داخل الذات(الصندوق الأسود)، بدل التركيز فقط على المدخلات والمخرجات،كما تفعل السلوكية. وقد اهتمت النظريات المعرفية في دراستها للجماعات بالتواصل داخل الجماعة وبين الجماعات، وبمعايير الجماعة والإبداعية،وبحل المشكلات داخل الجماعات،وبسيرورات اتخاذ القرار،وبالتأثير الاجتماعي،والمسايرة،والهيمنة، والمحافظة،والتوازن المعرفي الذي تتمسك به الأغلبيات المحافظة،وبالدور المجدد للأقليات الفاعلة داخل الجماعات،وبعمليات التصنيف والترتيب الاجتماعيين،وبالتمثلات الاجتماعية....
- المقاربة النقدية(موسكوفيتشي):انصب اهتمام موسكوفيتشي على دراسة ظواهر التأثير التي عرضها في مؤلفه"سيكولوجبا الأقليات النشيطة"، إذ اهتم،في مرحلة أولى، بدراسة التأثير، والروابط القوية بينه وبين المسايرة والانحراف؛واتجه اهتمامه، في مرحلة ثانية، إلى الدراسة النقدية للتأثير الاجتماعي، حيث انطلق من التركيز على وجود أقليات منظورا إليها باعتبارها مصدرا للتجديد والتغيير الاجتماعي.وأرسى من خلال ذلك نموذجا جديدا للتأثير الاجتماعي،منتقدا الفرضيات ذات النزعة التجريبية،منطلقا من مسلمات ثلاث أساسها: ضرورة المراقبة الاجتماعية،وضرورة المسايرة، والبحث المنظم على التوافق.
- مقاربة التحليل النفسي: وهي تجد أصولها النظرية في أعمال سيجموند فرويد وخاصة في كتابيه"الطوطم والطابو" و"علم النفس الجمعي وتحليل الأنا"،حيث حاولت هذه المقاربة اعتماد
الجهاز المفاهيمي للتحليل النفسيي في فهمها ودراستها لنشاط الجماعات ، كالآليات النفسية للتقمص والإسقاط والتماهي والتحويل،وتقمص قائد الجماعة لدور الأب...(محمد آيت موحى