تعاني المعلمة التاريخية البرتغالية قصر البحر بآسفي التهميش واللامبالاة،بحيث إن علامات الاحتضار بدأت تظهر عليها من خلال الحالة التي أصبحت عليها،والمتمثلة أساسا في الشقوق التي تبدو عليها والانهيارات المتتالية لأجزاء منها بشكل مستمر سواء تلك التي تطرأ عليها بالواجهة المطلة مباشرة على المحيط الأطلسي،أو تلك التي تقع بداخلها بسبب التسربات المائية تحت الصخرة المشيدة عليها هذا المعلمة والتي نتجت عنها مغارات تتسع يوما بعد يوم نتيجة الانكسارات القوية للأمواج البحرية.وهكذا،فقد أصبح المواطن المسفيوي يرى بأم عينيه أجزاء مهمة من هذه المعلمة التاريخية البرتغالية تتهدم يوما بعد يوم دون أدنى تدخل من قبل الجهات المسؤولة سواء منها المركزية أو الجهوية أو المحلية،مع العلم أن مدينة آسفي تشتهر بشكل كبير بهذه المعلمة التي لم تجد الجهات المسؤولة وسيلة لذر الرماد في العيون وبالضبط في عيون مشاهدي القنوات التلفزية عندما تكون ساحة مولاي يوسف المقابلة لهذه المعلمة على موعد مع تظاهرة كبرى سوى تزيين واجهتها بالمصابيح واللافتات حتى تظهر للمشاهدين في حلة جميلة،مع العلم أن داخلها والجهة المطلة على البحر في حالة يرثى لها.
وفي غياب من يدافع عن هذه المعلمة لإنقاذها من هذا الوضعية،ارتأت جمعية الأمل للمحافظة على المآثر التاريخية والسياحية بآسفي إلى توجيه العديد من المراسلات إلى الجهات المسؤولة وطنيا وجهويا ومحليا قصد التدخل،فكانت آخرها المراسلة الموجهة بداية شهر أكتوبر الماضي في موضوع إنقاذ المعلمة التاريخية " قصر البحر " والأسوار العتيقة بآسفي إلى وزير الثقافة،أشارت فيها إلى أن قصر البحر مصنف ضمن المآثر التاريخية بظهير 7 نونبر 1922 الموافق 17 ربيع الأول 1341 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 526 بتاريخ 21 نونبر 1922،وأنه قد تعرض لعدة انجرافات تمثلت في انهيار واجهته الغربية أكثر من مرة رغم محاولات الإنقاذ التي لم يحالفها الحظ، بحيث يرتبط مصيره بميلان الجرف المشيد فوقه الذي أصبح يتعرض لتعرية عنيفة نتيجة الانكسار القوي للأمواج البحر،وأضافت الجمعية في نفس مراسلتها الموجهة إلى الوزير على أنه قد أقيمت دراسات تشخيصية الغرض منها معرفة الداء لإيجاد الدواء،خلص من خلالها الخبراء على أن هناك مغارات عميقة بداخله ما يجعل قصر البحر هذا مهدد بالانهيار في أي وقت من الأوقات،مع العلم أن الحلول التي أوصت بها مكاتب الدراسات جد مكلفة والتي تقتضي بناء حاجز وضخ 2 مليار متر مكعب من الرمال والذي من شأنه أن يخلق شاطئين اثنين اصطناعيين بمنطقة أموني حماية لهذه المعلمة من الضياع النهائي،وأكدت الجمعية في نفس مراسلتها على أن دراسات أخرى خلصت إلى أن كلفة الأشغال والترميمات ستصل فقط إلى 36 مليون درهم،مذكرة على أنه في أواخر التسعينات تم ملأ ثلاث مغارات تتواجد بقاعدته السفلية بأكياس جيوب بلاستيكية بداخلها خليط من الإسمنت والرمل والماء،بحيث تدخل هذه العملية ضمن مشروع يستهدف إزالة الخطر مؤقتا،ومنذ ذلك الوقت لم تكلف الجهات المسؤولة نفسها عناء التدخل لإصلاح ما يمكن إصلاحه ورد الاعتبار لهذا الإرث المعماري والثقافي،مع العلم تضيف الجمعية في سنة 1990 تم توقيع اتفاقية بين مدينتي آسفي وسيتي بال البرتغالية في إطار التعاون وتقوية العلاقات بين المدينتين،وفي24 مارس 2001 تم توقيع اتفاق مبدئي بين الجماعات المحلية والبرتغالية ومركز الدراسات حول التنمية الجهوية والمحلية البرتغالي في إطار تجسيد التعاون بين البلدين،كما نظمت أكاديمية المملكة المغربية في7 أكتوبر2004 بآسفي ندوة علمية حول الحضور البرتغالي في المغرب وآثاره.خومعلوم أن هذه المعلمة التاريخية التي كانت في وقت سابق محط زوار أجانب ومن داخل المغرب ليصبح ولوجها في الوقت الراهن محفوف بالعديد من المخاطر جراء الانهيارات المتتالية لأجزاء مهمة قد تم تشييدها سنة 1508 وتأخذ طابع الفن المعماري الإيمانويلي الذي يعتبر من أرقى الفنون المعمارية البرتغالية والتي تتواجد في موقع استراتيجي مهم وسط المدينة على مساحة تقدر ب 3900 متر مربع،بحيث إن تاريخ قصر البحر يؤكد على أنه كان في وقت سابق مركزا تجاريا،واستغل أيضا كسجن ليصبح بعدها خزانا للحبوب،ويتكون من ثلاثة أبراج تظهر شامخة في قلب المدينة،البرج المربع الذي تتواجد به قاعة كانت مخصصة للتعذيب وفوقها مباشرة مكتب قائد الحامية العسكرية البرتغالية الذي يتواجد به درجين،واحد يؤدي من مكتب القائد إلى الميناء القديم،والآخر يؤدي إلى أحد المخازن،ثم سطح خاص بالمراقبة الفوقية،وبرج دائري في الجنوب الغربي مخصص هو الآخر للمراقبة والذي منعت في الوقت الراهن زيارته من قبل الوافدين على قصر البحر لكون وضعيته تشكل خطورة كبيرة بعدما أصبح مهددا بشكل كبير بالانهيار في أي وقت من الأوقات،وبرج آخر دائري في الجنوب الشرقي.وخوفا من وقوع كارثة انهيار هذه المعلمة التاريخية،أقدمت الجهات المسؤولة بإخلاء أبراجها من المدافع البرونزية المصنوعة إبان عهد السعديين،والمدافع الحديدية غير المؤرخة والتي كانت موضوعة بطريقة فنية متناسقة فوق أبراجه،ليتم وضعها في الوقت الراهن وسط ساحة القصر حتى يسهل إنقاذها في حالة وقوع كارثة لا قدر الله.ومن الأسباب التي تكون قد أثرت من جهتها على هذه المعلمة التاريخية وجود خط حديدي بجانبها يعرف مرور القطارات صباح مساء وليلا يربط كيماويات المغرب بميناء آسفي التي أدت إلى تعرضها لتصدعات وشقوق بسبب الاهتزازات المتكررة المحدثة من قبل هذه القطارات،كما تشير بعض الدراسات العلمية على أن المياه البحرية المتواجدة على طول جرف أموني تتكون من مواد كيماوية حامضية ترمي بها كيماويات المغرب وميناء أسفي قد تكون هي الأخرى سببا في هشاشة الصخرة المشيد عليها قصر البحر،علاوة على كل هذا،تشير معطيات علمية أيضا على أن رصيف الميناء الذي يفصل الميناء وقصر البحر زاد من حدة انكسار الأمواج التي ترتطم بقوة بهذه الصخرة.وقد سبق وأن قام كل من المختبر العمومي للدراسات والتجارب سنة 1991،ومندوبية التجهيز بتاريخ 17/04/1999بدراسات تقنية للمنطقة خلصت إلى كون عمليات تهيئتها تتطلب مبالغ مالية مهمة،كما أن المختبر ومكتب دراسة برتغالي متخصص في الدراسات الجيولوجية البحرية ومكتب الإنقاذ الدولي لمدن الشواطئ قاموا بدراسات حول جرف أموني تم من خلالها تحذير الجهات المسؤولة من الكارثة البيئية التي قد تقع بسبب تسرب المياه إلى تحت الجرف والتي بدأت تظهر على إثر الانهيارات المتتالية لبعض الصخور التي كانت تكون الجرف،ووجود مغارات متفاوتة الخطورة على طول الجرف،كما أن المختبر العمومي سبق وأن أجرى دراسات على مسافة تبلغ 500 متر مابين صخرة قصر البحر ورأس نفق السكة الحديدية المحاذي للقصر عبر مغارات خلصت إلى أن الأحجار المكونة لجرف أموني هشة وسريعة التأثر بعوامل التعرية،وهذا أدى إلى ظهور المغارات تحت الجرف قد تؤثر مستقبلا ليس فقط على قصر البحر،بل أيضا على المساكن المجاورة التي ظهرت التأثيرات البحرية عليها من خلال الرطوبة التي تظهر على جدرانها مما يجعلها آيلة للسقوط هي الأخرى في أي وقت من الأوقات.ومن بين الاقتراحات التي قد تضع حدا لهذه الأخطار المحدقة بقصر البحر بصفة خاصة وجرف أموني بصفة عامة حسب دراسة قام بها الخبير العالمي بيدروفيريا والتي لم تأخذ لحد الساعة بعين الاعتبار سواء من قبل الجهات المسؤولة مركزيا أو جهويا أو محليا ضرورة خلق شاطئ اصطيافي مع توظيف سنابل رملية،وملئ ثقب المغارات بالأحجار واستثمارها بحريا مع ربطها بخرسانة متينة،كما قدم هذا الخبير نماذج لدراسات مشابهة أنجزت في جنوب إسبانيا والبرتغال التي خلصت إلى ضرورة بناء حاجز وضخ 2 مليار متر المكعب من الرمال لأن كل هذا من شأنه أن يخلق شاطئين اصطناعيين بمنطقة أموني.