إن تطلع الرأي العام الأميركي، ومعه الرأي العالم الدولي، وكذا العديد من الدول، إلى ما يمكن أن ينجزه أوباما، هو في عمقه رفض وإدانة واسعة لسياسة بوش وإدارته المتوحشة، غير المأسوف عليها
فهل بإمكان الإدارة الأميركية الديمقراطية الجديدة أن تكون في مستوى تحديات هذه التطلعات والآمال التي اندلعت وانفجرت وسط الأميركيين، وباقي الشعوب بعد أن عاش العالم في العقد الأول من بداية القرن الواحد والعشرين رعبا بسبب اندلاع الحروب الأميركية في أكثر من منطقة، لذلك لم تكن السياسة الدولية والعلاقات بين الدول موفقة، بسبب الأحداث التي عرفها العالم من حروب ونزاعات، وكذا الإرهاب الذي مارسته الإدارة الأميركية السابقة على الشعوب والدول فاتحة عهدا جديدا من الاستعمار، وعليه فإن ذهاب بوش مهانا مذلولا، وحده يشكل عاملا مهما بعد تركته الكارثية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا على أميركا والعالم.
وإذا كانت السياقات التاريخية تختلف مثلما الأزمنة والأمكنة - ولهذه الأسباب فإن التاريخ لا يكرر نفسه حتى وإن كانت الأحداث تبدو متشابهة-، فإن اللافت أن نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين عرفت أيضا أحداثا مثيرة مع تنامي النزعة الاستعمارية وانفجار أحداث أدت إلى الحرب العالمية الأولى، وهو ما شاهدناه في نهاية القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين، حيث تفجرت الحروب والنزاعات وسياسات الاحتلال، وهنا يمكن أن نتساءل إلى أي حد يمكن أن تتحقق اليوم قطيعة واضحة مع عهد مكروه ومرفوض وممجوج، ولا نتذكره إلا بالمآسي والآلام الجارحة؟.
ليس من السهل إزالة كل الآثار المخربة لهذه السياسة، بيد أن الاختبار الأساسي للإدارة الأميركية الجديدة يتمثل في تنفيذ التزاماتها، وعلى رأسها الانسحاب الكامل واللامشروط من العراق، وعدم إقامة قواعد عسكرية دائمة هناك، ولاحظنا أن الرئيس تحدث عن تسريع الانسحاب، حتى وإن كان الانسحاب لن يعوض الخسارات التي مست الشعب العراقي ومقوماته العلمية والحضارية والعسكرية، وكل ما يتعلق بالدولة والمجتمع.
هذا إلى جانب إغلاق معتقل غوانتانامو، وسجون أخرى سرية، في دول أوروبية وعربية، وكذا الإقلاع عن كثير من الممارسات الماسة بحقوق الإنسان وصورة الديمقراطية مثل الاعتقالات غير القانونية والتعذيب بكل أشكاله ووسائله والسجون المتنقلة عبر الطائرات والقواعد العسكري، وغير ذلك.
إذن إلى أي حد يمكن أن تكف أميركا عن خوض حروب بالنيابة عن إسرائيل، مع ما يحركها أيضا من دوافع ومصالح متعلقة بالثروات ومصادرها، هذا يعني أن القضية الفلسطينية لن تكون اختبارا حقيقيا لتوجهات هذه الإدارة، على الأقل في مرحلتها الأولى، ما لم تظهر معطيات أخرى، بسبب ملابساتها الخاصة والمعقدة.