تقويم التلميذ :
من الملفت للنظر أن تقويم التلميذ في عالمنا العربي لا يزال ينظر إليه على أنه يتم فقط من خلال الامتحانات ، على الرغم من كثرة البحوث ، والكتابات التي أثبتت سلبية الاعتماد على الامتحانات كمصدر واحد لتقويم التلميذ ، وعلى الرغم من الآثار السلبية العديدة التي لوحظت على هذا الأسلوب ، والتي انعكست بدورها على نوعيات الخريجين أنفسهم ، وبالتالي على المجتمع ذاته . وعندما نتحدث عن تقويم التلميذ ينبغي أن يفهم في إطاره الصحيح إلا وهو تقويمه في جميع جوانب نموه ومنها : الجانب المعرفي أو التحصيل الدراسي . والجانب الانفعالي ، واكتساب الاتجاهات ، وغرس القيم ، ومعرفة الميول ، والدوافع ، وكل ما يتعلق بجوانب الشخصية الإنسانية ، ولكن سنقصر الدراسة هنا على التقويم الجانب التحصيلي لدى التلاميذ لأنه مجال علمنا أما المجالات الأخرى فلها مختصوها .
الاختبارات التحصيلية :
الاختبارات التحصيلية وسيلة من وسائل القياس التي تستخدم لتدل على معرفة مستوى الطلاب في مقرر بعينه ، أو في مجموعة من المقررات الدراسية ، وهي قديمة قدم تحصيل المعارف ، والعلوم المختلفة ، حيث ارتبطت دوما بالتعليم ، وبمعرفة نتائجه . وقد تباينت آراء التربويين حول الاختبارات ، وفوائدها ، والآثار المترتبة عليها ، فمنهم من هاجمها بشدة ، وطالب بإلغائها ، وحجة هذا الفريق ما يلي :
1 ـ نتيجة لاعتماد النتائج النهائية في قياس مستويات الطلاب على الاختبارات كوسيلة وحيدة ، فإن جزءا كبيرا من جهد الطلاب ، ووقتهم ينصرف في الاستعداد لهذه الاختبارات بصرف النظر عن أي استفادة أخرى في عملية التعلم .
2 ـ يعتمد الطلاب لنجاحهم في الاختبارات على الحفظ ، والاستظهار اللذين قد يصاحبهما الفهم ، وقد يجانبهما ، والغاية من ذلك أن يكونوا على معرفة تامة بكل المقررات المطلوبة بحيث يتمكنوا من إجابة على الأسلة ، وبعد ذلك لا يهم أن تحتفظ الذاكرة بتلك المعلومات ، أو تذهب أدراج الرياح .
3 ـ حفظ الطلاب للمعلومات التي سيختبرون فيها واستظهارها يدفعهم إلى البحث عن شيء يحفظونه بغض النظر عن قيمته المعرفية ، لذلك انتشرت ظاهرة كتب تبسيط المواد الدراسية ، والملخصات ، والمذكرات ن وما إلى ذلك على الرغم من السلبيات الناجمة عنها .
4 ـ أصبحت الدراسة بشكل الذي عرضناه سابقا وسيلة لتأدية الاختبارات ، وأصبح الاختبار ، وسيلة لانتقال الطلاب من مرحلة لأخرى ، أو لدخول الجامعة ، وعليه فقد ضاعت القيم التربوية لكل ما يدرس في غمرة الانشغال بالاختبارات .
5 ـ يترتب على إعطاء الاختبارات أهمية كبرى ـ باعتبارها وسيلة القياس الوحيدة في معرفة قدرات الدارسين على النجاح ، أو الرسوب ـ ظاهرة الغش التي تفشت بين مختلف فئات الطلاب ، كما تفننوا في إيجاد أنواع مختلفة منه .
6 ـ شجع اعتماد الجامعات في نظام قبول الطلاب على معيار واحد ألا وهو النسبة المئوية للدرجات التي تحصل عليها الطلاب إلى تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية التي ليس الغرض منها حصول الطلاب على معارف ، ومعلومات أوسع ، وأعمق ، وإنما الغاية منها فقط الحصول على درجات أكثر ، مما يساعد على تحقيق رغبات الطلاب في دخول الكليات التي يرغبونها .
7 ـ يصاحب عملية الاختبارات كثير من الشد العصبي عند الطلاب الأمر الذي ينعكس سلبا على أنفسهم ، وعلى أولياء أمورهم ، وأسرهم عامة ، فتعيش الأسرة فترة ليست بالقليلة قبل الاختبارات وأثنائها حالة من التوتر ، والاستعداد غير العادي لهذه الاختبارات وكأنها في حالة طوارئ .
8 ـ اهتمام السلطات التعليمية بالاختبارات يدفعها إلى أنفاق الكثير من الوقت والجهد والمال عليها ربما أكثر مما ترصده لأوجه المناشط التعليمية المختلفة التي تنمي الطلاب ي جوانب شخصياتهم المتعددة .
9 ـ تخلوا وسيلة الاختبارات الحالية من أساس هام كان ينبغي أن يكون فبها ألا وهو تشخيص حالة الطالب بدقة من حيث نواحي ميوله ، واستعداداته ، وقدراته ، وقد يكون لعامل الصدفة في اجتياز الاختبار ، والحصول على درجة جيدة دور ما في ذلك .
10 ـ إن الاختبارات كوسيلة للقياس لا تبين مقدار جودة الكتاب المدرسي ، أو ملاءمة الطرق ، أو الأساليب التي يتبعها المعلم في تدريسه ، كما أنها لا تعكس ملاءمة المنهج كله بالنسبة للطالب ، أو المجتمع .
11 ـ الاختبارات بالصورة التي تنفذها المؤسسات التعليمية لا تعكس أي مظهر من مظاهر نشاط الطلاب في فصولهم ، أو في مدارسهم بصفة عامة .
أما الفريق المدافع عن الاختبارات فيرى فيها بعض الفوائد ، وربما لعدم إيجاد البديل للأسباب آلاتية :
1ـ يعتبرها القائمون على التعليم وسيلة ناجحة لقياس مستويات الطلاب خاصة في غياب نظام بديل مقنع ، ويدافعون بأن ما يصاحبها من ظواهر سلبية كالغش ، والكتب المبسطة والملخصات ، أمور لا تعيبها بقدر ما تعيب النظام الذي يعجز عن ضبط مثل هذه الأمور أو الحد منها .
2 ـ تعتبر الاختبارات من جهة رسمية وسيلة منطقية ، تخبر الطلاب بمدى تقدمهم بالنسبة لا نفسهم ، وبالنسبة لزملائهم ، لهذا فهي قد تدفع أعداد منهم نحو المحافظة على المستويات الطيبة التي وصلوا إليها ، كما أنها تحفز المتخلفين على محاولة اللحاق بأقرانهم وتعويض ما فاتهم .
3 ـ تعتبر الاختبارات وسيلة تنبيه ، تدفع أولياء الأمور لمتابعة أبنائهم ، والوقوف عن كثب لمعرفة مستوياتهم، وحثهم على مضاعفة الجهد ، كما تساعد على الربط بين المدرسة ، والبيت بحيث يكون الطرفان على اتصال مستمر ، أو حين تستدعي الضرورة ذلك .
4 ـ تعكس الاختبارات مستويات الطلاب المختلفة ، والتي من خلالها تتعرف المدرسة المتدني ، فتقوم بوضع البرامج العلاجية التي تساعد الطلاب على تحسين مستواهم .
5 ـ تعتبر الاختبارات بمثابة مؤشر يبين المعلم مدى نجاحه في جهوده مع طلابه ، كما تبين له موقعه بالنسبة لزملائه المعلمين في المدرسة ، مما يدفع البعض إلى بذل المزيد من العطاء أو الجهد .
6 ـ يمكن لخبراء المناهج أن يستفيدوا من النتائج التي تتوصل إليها الاختبارات في عملية تطوير المناهج بكل ما تشمل عليه من برامج ، وكتب ، وطرق التدريس ووسائل في ضوء ما يحققه الطلاب من الأهداف التربوية التي رسمت مسبقا .
7 ـ من خلال الاختبارات يتمكن الطالب من تحديد قدراته ، وميوله نحو تخصص معين يسهل عليه اجتيازه مستقبلا .
8 ـ إذا أديت الاختبارات بأمانة ، ودقة ، وموضوعية فإنها تعلم الطلاب قيما عظمى في حياتهم : كالانضباط في المواعيد ، والدقة في التنفيذ ، والأمانة في الأداء ، والحفظ ، والنقول العلمية .
9 ـ تتطلب الاختبارات إعادة تنظيم الأفكار الواردة في الكتاب المقرر ، وعرضها في ترتيب ، وأسلوب يحقق المطلوب من السؤال ، ومن هنا فهي تكشف عن قدرة المدرس على التعبير بأسلوبه الخاص عما استوعب من معلومات .