من فضلك جاوب هل أنت ديك أم بلبل
الديك و البلبل
في مزرعة دواجني الصغيرة لفت انتباهي شيء فرحت أتأمل فيه واستخلص منه العبر… فهذا الكون العريض الفسيح فيه من الأشياء الكثيرة التي تستفزنا أحيانا و تحفز فضولنا لمتابعتها و اخذ أجزاء منها لحياتنا و تطبيقه …
الديك ذلك الداجن القابع في المزرعة غريب الأطوار و المزاج و له من السلوكيات التي تدفع الإنسان على مراقبته …
و كأنه لديه مهمة واحدة مجبول عليها لا تتبدل و لا تتغير مهما تعاقب الليل و النهار ألا و هي الأكل و الشرب و مضاجعة تلك الدجاجة المسكينة في التي بجواره على الدوام في المزرعة … يعني بالعامي الفصيح لا شغل و لا مشغلة لدى ذلك الديك …
أمر لا ضجر عليه و لا لبس بل هي مهمة ذلك الفحل الديكي المغوار الطعان الضراب …
يأكل و يضاجع لا يكّل و لا يمّل …
الغريب الذي لفت انتباهي هو أسلوبه في المضاجعة و مدى سرعته في العملية و هو من الدواجن الفريدة الذي لا ينتظر غزل ظاهري و لا حتى باطني من الدجاجة أو أي حتى تأشيرة مرور تسمح له بالعبور … فهو على الدوام نكاح بدون استئذان و لا تحية و لا سلام و الأدهى و الأمر أنه لا توجد في مفردات قاموسه الجنسي كلمة شاعرية أو مداعبة يبدأ بها أو ينهي عمليته المظفرة في أكثر من دقيقتين و يترك الدجاجة في ألمها و الريش يتطاير منها على أرجاء المعمورة في كل حدب و صوب ليعود للأكل و الشرب و من ثم المضاجعة مرة أخرى وهكذا دواليك دواليك لا يفتر و لا يمل و ليس له موسوم تزاوج بل لم يسمع عنه و لم يعرفه و أتصور انه غير راغب فيه ولو جلس أناء الليل و أطراف النهار لما فتر أو فتئ من ممارسته تلك …
الديك شرس عند المضاجعة والدجاجة اعتقد و الله العالم كثير ما تتمنع منه و تهرب عنه و أحيانا تدافع عن أنوثتها المهدورة بدون إحساس منه و لا مسئولية … و كم هو وقح أسلوبه الجاف الذي لا يدغدغ أنوثتها الرقيقة و لا يتلمس مشاعرها الحانية الفياضة و أحاسيسها الغداقه مجرد صعود إلى الأعلى و من ثم هروب إلى حيز قريب من المكان و العود بلا كلل أو ملل … و كم هو مقزز مكانه التراب متناثر و الصياح متعالي و كأنه غازي هتك و روع المخدرات في بويتها …
الديك ذلك الداجن الغبي الأحمق الذي لم يتعلم من البلبل القريب منه و الذي يعيش معه في نفس الحضرية مغردا و محلقا فوق رئسه كلما هب لغزوته المضاجعة المظفرة و كأنه أخذته الحمية و الغيرة مخاطبا الديك قائلا له ويحك يا أيه الديك الغبي و الأحمق انظر إلي و لو مرة واحدة و تعلم شيئا يذيقك لذة لا تبغي غيرها …
يمتاز البلبل أنه من الدواجن التي تزين المكان و تدخل البهجة والسرور ليس فقط بشكله و لونه الباهر و نغماته الصوتية الرقراقة بل من خلال الرومانسية والأجواء الحميمة في ممارستهم لغريزة المضاجعة التي تثير كل رأي بان يتأمل و يتعلم الفنون والدروس في طرائقه البديعة والفريدة التي تبعث البهجة و الحافز للفرد بان يقلده في غزله العفيف اللطيف و الذي يتحول شيئا فشيء إلى مزيد من الرومانسية فتراه يبدأ أولا بالتحليق سويا مع محبوبته و بحركة تناغمية مشوقة و تراه يتنقل من غصن إلى آخر ومن زاوية إلى أخرى و من ركن إلى اخر يتبادل الغزل و النظرات و القبلات الحارة في غاية الروعة و كأن الفرنسيين تعلموا منه فن القبلات و توابعها … فيثر انثاه حد الجنون في مداعباته …
فهو و محبوبته البلبلة في أجواء شاعرية على الدوام لا تنتهي و لا تفتر حتى ترتفع حرارة المشاعر لدرجة الغليان و يبدأن في اخذ أوضاعهما الطبيعة بكل حنية و حنان فلا ريش يتطاير إلى عنان السماء و غبار يثار من على الأرض و يعمي عينيك و لا صراخ تسمعه و يصم أذانك و لا تذمر من محبوبته بل نغمات و أصوات بلبلية مغردة تشذوا أجمل السنفونيات و المعزوفات المختارة بكل عناية و دقة …
حتى إذا قضي وطره سارعا للالتفاف حولها و يتمرغ معها بجو حاني تشتاق نفسك الناظرة إلى مثل أجوائه المتفجرة حنان وعطف و شاعرية و التي تكاد لا تنقطع بينهم …
فلا يتركها و يأوي إلى أكله و شربه غير آبه بها أو كأنه لم يقترف ذنب في تطير الريش على أرجاء المزرعة كما يفعل ذلك الديك الأناني المتضخم عنده الأنا حد التخمة …
الفرق بين الديك في أنانيته و البلبل في شاعريته كالفرق بين السماء و الأرض في تباعدهما الشاهق …
فيا أيه الذكر تخير حالا بين الاثنين الديكيه أو البلبلية … و تخير موقعك …