البوجادية فتاة من طينة خاصة، بريئة و بسيطة، ترى الحياة جميلة ورائعة، تنظر إليها بعين حالمة، وتعيش فيها بروح مفعمة بالتفاؤل.
لا تتعبها الانكسارات المتوالية، و لا تهمها سخرية الآخرين من أحلامها. حكاياتها تعكس تعمق الإحساس بالتمزق بين صدق العاطفة وقمة البراءة والشفافية وشراسة الواقع الذي لا يمنح إمكانية الحلم للإنسان البسيط، وكل ما يؤمن به هو الماديات التي تهندس العالم.
الهدف الوحيد البوجادية هو ألا تكف عن الأحلام
لا تعاني ما يعانيه الأخرون من ضغط ونمط عيش متوتر و صداع الراس
البُوجَادِيَّة مصطلح أطلق عام 1956 نسبة إلى "بيير بوجاد" Pierre Boujad مؤسس اتحاد الدفاع عن تجار وحرفيي فرنسا، وهو حركة و حزب يميني كان مدعوما من صغار التجار، حيث كان يدافع بشكل حقيقي عن مصالحهم، تطلعاتهم و أحلامهم، و ينقل أوجاعهم و احتياجاتهم لأصحاب القرار.
ولأنه و في نفس السنة حصل المغرب على الاستقلال و كان الاستعمار لا يزال يلقي بظلاله على كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن العديد من المصطلحات و المفردات دخلت قاموس المغاربة ومن ضمنها مفردة "البوجادية" والتي ستكتسب بعد ذلك معناها الشعبي في اذهانهم لترتبط بالشخص الساذج، المفرط في الطيبوبة.
ونقول رجل "بُوجَادِي" و امرأة "بُوجَادِيَّة" بمعنى أنهم ليسوا على درجة عالية من اليقظة أي "مَشِي عْلَى بَالْ وَسَهْلْ تْدَّارْ بِيهُمْ".
وهكذا هي بطلة هاته السلسلة، فتاة "بُوجَادِيَّة" في الخامسة و العشرين من العمر، بريئة و بسيطة ترقب الحياة بكل رخاءاتها و هناءاتها بالنسبة للآخرين بينما هي تجلس في مكان و عالم صنعته لنفسها تمارس فيه الحلم.هذا النشاط "الفَابُورْ" الذي لا يحتاج لمال، تتعلق بأهدابه و تأخذها أوهامه أينما أرادت، الشيء الذي يجعل منها فتاة مختلفة كثيرا عن بنات جيلها في زمن يَتَوَجَّبُ فيه على المرء أن يكون "عْلَى بَالْ وَ تَيْشْقَمْهَا وَ هِيَ طَايْرَة" و يكون أيضا "مَاضِي" بمعنى حَادْ "كِيفْ المْقَصْ".
فحكاياتها مع "تَابُوجَادِيتْ" لا تنتهي فهي "هْبِيلَة" ترى العالم من خلال منظار وردي يرسم لها كل شيء جميل ورائع. شخصيتها حالمة و متفائلة إلى أبعد الحدود، وفي عالمها الوردي كل شيء ممكن و غير مستحيل.
تسمح لنفسها دوما أن تذهب بعيدا بأحلامها، تتشبث بها و تبني لها أعشاشا تحضنها فيها. تضعها في مقدمة الأيام الشتوية و الصيفية وبقية الفصول. وتتوفر على كل أصنافها الكبيرة و الصغيرة و المتوسطة القامات، تزين دوما أجواءها بالفرح و دفء الابتسام، تعبر عنها بصدق و عفوية و حرارة طفولية.
وفي عالم أحلامها ليست هناك عوائق مادية، و لا تتأثر بأحداث مأساوية كل شيء فيها جميل و رائع، تُظْهِرُ من خلالها حالة من التفاؤل، و تُعَمِّمُ جَوًّا من المرح و الفرح، تُعلن دائما عنها و تُخبر كل من ألتقته بجديدها .
لا تعرف معنى الكره و الحقد، تصنع منها حياة و تستقبل بها أيامها في بهجة و سعادة، فهي عكس الكل، لا تعاني ما يعانوه من ضغط و نمط عيش متوتر و صْدَاعْ الرَّاسْ.
وكلمة إحباط لا توجد في قاموسها، فكلما أحبطت الأيام حُلْماً من أحلامها تُسارع لنسج أحلام غيرها متحدية بها ثقافة التشاؤم و الحزن.
فأحلامها مثل القطط بسبعة أرواح تعتنقها مذهبا و تواجه بها العاطلون عن الحلم والمشككون في نعمتها.
فأحلامها مثلا تسمح لها بالتنقل بين القارات بكل حرية، فتراها اليوم في الحلم طبعا تزور القارة الأوربية و في الغد تجدها في القارة الأمريكية، و إذا سألتها و هل تتكلمين الإنجليزية ؟ ترسم على شفتيها ابتسامة طفولية و بكل براءة و عفوية ترد أن زوجها المفترض الذي سيأخذها إلى هناك سيعلمها أصول الحديث بكل لغات العالم.
وعندما تلتقيها مرة أخرى و تسألها "وَاشْ بَاقا هْنَا" و أين و صلت أخبار تنقلاتها بين القارات ترد بِتَابُوجَادِيتْ ديالها المعهودة أنها غيرت رأيها أو حلمها و ستبحث عن عريس من هنا غير ذلك الذي سيأخذها في رحلة حول العالم لِتُعْرِبَ قائلة وَعْلَى نِيَّتْهَا أنها سوف تتزوج و تبقى غَاهْنَا في البْلادْ حْسَنِ لِيهَا مَتَمْشِي تْتْغَرَّبْ في بْلادَاتْ النَّاسْ".
هكذا فأحلامها تتسم بالإزدواجية، فلديها أحلام دولية و أخرى وطنية، وإن لم تتحقق الأولى فحتْمًا ستتحقق الثانية .
وطبعا من جهتي لا أتمنى لها إلا التحقق رغم أنني خَايْف عْلِيهَا كثيرا من أن تصطدم موجات أحلامها هاته بصخور حادة و تَتَشَرْشَمْ فوق رأسها.