العنوان الاصلي هو:

بين الطرحين رحلة الألف ميل، ففي الظرفية الراهنة شتان بين الرأيين. الغريب أنه لاقتصاد واحد ومعطيات رقمية واحدة، هناك تناقض صارخ بين رأي الرسميين المتشبث بتحسن مؤشرات الاقتصاد المغربي وبين ما يذهب إليه بعض خبراء الاقتصاد ومؤسسات اليقظة التي تضع أصبعها على عشرات المصابيح الحمراء. وبين الطرحين هناك توجه يذهب إلى أن الأمور تتحسن ويضيف.. لكن! كما يفعل الاتحاد العام لمقاولات المغرب.
الوضع الاقتصادي المغربي محتاج إلى تشريح أكثر عمقا، وبالأخص أكثر واقعية وجرأة، فالرأي العام بحاجة إلى معرفة أين يسير المغرب. والأسبوع الفارط فقط، صنف مؤشر الحرية الاقتصادية الأمريكي لسنة 2009 المغرب في المرتبة 101 من بين 183. ولتعليل هذا التصنيف اعتمد المؤشر على ما وصفه بالتحسن النسبي في حرية الأعمال وحرية الاستثمار وتطور القطاع المالي، لكنه وضع أصبعه على الجرح الدامي للمغرب... النظام القضائي. أي أن المؤشر الأمريكي صار على درب.. فهناك بعض الإيجابيات، لكن القضاء يعيقها وهذا ليس فيه أي جديد. فهل نحن محتاجون إلى مؤشر أمريكي لندرك ذلك؟
بالطبع لا. لكن عندما يأتي المديح كما النقد من الخارج، فإن مسؤولينا يتعاملون مع الموضوع بحزم، حتى أن بعض الوزراء يفقدون صوابهم عندما يردون على تصنيفات المغرب في بعض المؤشرات العالمية.
نعم هناك بعض التحسنات، لكننا نريد تغييرات جذرية في مناخ الأعمال وظروف الاستثمار. وفي ظل استمرار آفة الرشوة وعدم استقلالية القضاء لا يكمن للمغرب أن ينمي ثقافة استثمار حقيقية، فلا يمكن لأي مستثمر يريد أن يضع ملاييره في مشاريع خالقة للثروة بالمغرب أن يبحث له عن مظلة عليا ليستثمر باطمئنان درءا لجهات اختصت في مساومة بعض المستثمرين الكبار بتسهيل «مأموريتهم»، مقابل عمولات ضخمة أو جزء من رأس المال في المشروع الاستثماري... الخ.
كما أن مناخ الأعمال بصفة عامة لا يمكن أن يتحسن في ظل نظام للصفقات يلفه الغموض وتنسج حوله الأساطير. فلم يعد خافيا أن الصفقات العمومية التي تقدر بالملايير لديها نقطة ضعف كبرى ألا وهي... الشفافية.
الذين قادتهم ظروفهم أن يلجوا مسالك الصفقات العمومية للدولة يعرفون جيدا بأن الطريق غير سالك دائما أمام أفضل العروض وأقلها كلفة. فهناك دائما من يجد الوسيلة لتمرير عرض معين بأقل الأسعار ولما ترسو الصفقة على الجهة «المرْضية» وتنطلق الأشغال تعمد هذه الجهة إلى إدخال الكلفة الإجمالية وإضافة تكاليف يطلقون عليها «الملحقات» تجعل الكلفة الإجمالية تتضاعف، مما يخول لتلك الجهات أداء العمولات والإتاوات و«تشييط» الخير وبالطبع على حساب المال العام.
لذلك يمكن اعتبار الرتبة 101 إيجابية، لأنه لو تمت استشارة رجال الأعمال المغاربة النزيهين لوضعوا المغرب أبعد من ذلك بكثير، أما المستثمرون الأجانب فقصصهم مع الرسميين المغاربة تحتاج إلى مؤلفات قد يأتي الوقت لنتطرق لها بإيجاز.
المساء