خطبة الجمعة بمسجد الإحسان بحي عين العاطي 1 بالرشيدية
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، أحمده تعالى واشكره على ما يسر وانعم، واشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله غفر الله له ما تأخر من ذنبه وما تقدم صلى الله عليه وعلى اله وصحبه ومن اتبع سبيله بإحسان إلى بوم الدين، أما بعد، فأتقو الله عباد الله: (وأتقو يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) ( البقرة 281)
منظر جميل ومشهد زاهي أن ترى فتى غضا طريا في أحسن حلة، وأبهى طلعة ينؤ بحمل حقيبته، متأبطا كتبه، متوجها إلى محضن التربية منهل العلم . انه مشهد الآلاف تتجه زرافات ووحدانا إلى المدارس والمعاهد والجامعات،انه منظر يسر الناظر لمجد أمته، الطموح لعز دينه ومجتمعه، عندما يرى العلم يسري في دماء شباب الأمة والجهل بتضعضع أمام نور العلم، والأمية تتراجع أمام اشراقة الفكر، انه منظر في طريق لا يؤدي في النهاية إلا للعز والرفعة وهل امة سادت بغير العلم ؟ ولنا مع عودة الطلاب عودة ومع بداية العام الدراسي وقفة ...وأول هذه الوقفات: دور الآباء والأولياء :
فما هو دورك أيها الأب؟ إننا بحاجة إلى أب يعي ويفقه متطلبات الشباب وحقوق البنوة على الأبوة إن بعض الآباء يعتقد أن دوره لا يتعدى شراء الكراريس والأقلام وتسجيل الأبناء، ويقول أنا انتهى دوري عند هذا الحد فأحسن اللباس ألبسته، وأحسن المدارس أدخلته، فما تريدون مني ؟ نقول: نعم بارك الله فيك جميل منك هذا فهذا واجب النفقة وقد أديته بكل اقتدار وأنت مأجور على ذلك إذا احتسبت ذلك عند الله. انه من الخطأ أن يهتم بعض الآباء والأمهات بهذا الجانب جانب النفقة وتوفير الملبس والمأكل والمشرب دونما عناية بالجانب الأهم وهو الاهتمام بالمخبر لا المظهر وخدمة القلب والروح.
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته **** أتعبت جسمك فيما فيه خسران
اقبل على الروح فاستكمل فضائلها **** فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
أيها الآباء والأولياء: إن مهمة التربية والتعليم ليست مقتصرة على المدرسة فحسب بل لكم فيها النصيب الأكبر، فأنت أيها الأب تتحمل المسؤولية الكبرى عن تعليم ولدك وتربيته ومتابعته نقول هذا أيها الأحبة: في غمرة مشاغل الأب وكثرة وظائفه وارتباطاته وأعماله فهو قد يغفل عن تفريغ نفسه لتعليم أهله وولده. قد يقول قائل إن المدرسة تقوم بهذا فيقال إن هذا لا يعني أن نسقط التبعة عن الآباء ونلقي بالمسؤولية على كاهل المدرسة وحدها، لان الوالد هو المربي والمدرس الأول ف" كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ".إن الأب مع المدرسة صنوان وعمودان لخيمة نجاح الأبناء، لكن المدرسة تشتكي أبا لا يزورها ولا يحضر مجالس الآباء، بل إذا حصلت مشكلة أو أزمة لابنه مع المدرس أو مع زملائه لا يكلف نفسه أن يسال عن ملابسات الأمر ..المدرسة تشتكي أبا لا يطلع على التقارير الشهرية ولا يتابع واجبات أولاده ولا يساهم في تقويمهم وتسديدهم..
معشر الآباء والأمهات: الله الله في حقوق المعلمين والمعلمات، اغرسوا في قلوب ابناكم وبناتكم حب العلم
والعلماء، وإجلال المعلمين والمعلمات وتوقيرهم واحترامهم طلبا لمرضات الله سبحانه وتعالى، علموهم الأدب قبل أن يجلسوا في مجالس العلم والطلب .
هذه أم الإمام مالك بن انس رحمة الله عليه وعليها، لما أراد أن يطلب العلم ألبسته أحسن الثياب ثم أدنته إليها، ومسحت على رأسه، وقالت: يا بني اذهب إلى مجالس ربيعة، واجلس في مجلسه، وخذ من أدبه ووقاره وحشمته قبل أن تأخذ من علمه. علمته الأدب قبل أن يجلس في مجلس الدرس والطلب . الأدب ثم الأدب قبل أن يجلس الإنسان في مجالس العلم والطلب، يتعلم للعلم الوقار،يتعلم له الحشمة والقرار.
معشر الآباء والأمهات: أعينوا الأبناء والبنات على ما للعلم من مشاق ومتاعب، هذه أم سفيان الثوري رحمة الله عليه وعليها،ويا لها من أم صالحة، توفي أبوه وكان صغير السن حدثا، فنشأ يتيما لا أب له، ولكن الله رزقه أما صالحة كانت عوضا له عن أبيه، أم وأي أم هذه الأم الصالحة، لما توفي زوجها تفكر سفيان رحمه الله في حاله وحال إخوانه وحال أمه فأراد أن يطلب العيش والرزق، وينصرف عن طلب العلم، فقالت له تلك الأم الصالحة مقالة عظيمة مباركة قالت له: أي بني اطلب العلم أكفك بمغزلي، فانطلقت الأم تغزل صوفها وتكافح في حياتها حتى أصبح سفيان علما من أعلام المسلمين،إماما من أئمة الشريعة والدين ..وكل ذلك في ميزان حسنات هذه المرأة الصالحة أعظم الله ثوابها وجزاها عن المسلمين خيرا..
أيها الأحبة : نقف وقفات مهمة مع بيت القصيد وحط الركب نقف مع الموجه المربي إنها مع المدرس الذي هو أكثر الناس اتصالا بأبنائنا الذي يقول فيسمع له، ويأمر فيصغى له
أننا نقول لكل من يشتغل بالتدريس إن اقل ما ينظر فيك أن يكون مظهرك إسلاميا، وان يتفق القول مع الفعل وأن تكون الروح إسلامية حقا..
نريد مدرسا أمينا على فلذات أكبادنا فإذا تكلم فلا يتكلم إلا بخير، حسن التعامل فلا تصدر منه إلا عبارات التربية والتوجيه،قدوة في مظهره،محافظا على صلاته، إذا دخل الطلاب قابلهم بالبسمة وطلاقة الوجه.
وانه لمنظر سيء أن ترى مربي الأجيال يتسلل لواذا بين الحصص ليلوث فمه بالدخان .. منظر سيء أن ترى بعض المدرسين لا يحسن العدل مع الطلاب فيفضل هذا على هذا لا لأدبه ولا لجده بل لحاجة في نفسه وظلم في قلبه – نسال الله العافية – وعلى العدل قامت السموات والأرض.. منظر سيئ أن ترى المدرس لا يتقن شرحه لدروسه بل يتضاحك مع الطلاب ساخرا..
وإنني أتسال أيها الأخوة: الطالب الذي يرى مدرسه في حال من الميوعة والتسيب كيف يتعلم الفضيلة والرجولة الطالب الذي يسمع من مدرسه السب والشتم والبذاء كيف يتعلم حلاوة المنطق.
والطالبة التي ترى معلمتها تسير خلف صرخات الموضة وصيحات الأزياء، كيف تتعلم الفضيلة والعفاف والطالبة التي ترى مدرستها متبرجة سافرة كيف تلتزم بالحجاب والجلباب ( يا أيها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) ( الصفا:3،2)..
أنها مصيبة أن تختل الموازين حينما يتولى مهمة التربية والتعليم من لا يلتزم بأحكام الإسلام، متهاون في أمر الله لان المطلوب من المعلم المربي الإرشاد إلى كل خلق حسن، والتحذير من كل خلق ذميم،
يا أيها الرجل المعلم غيره *** هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الض **** نى كما يصح به وأنت سقيم
ونراك تصلح بالرشاد عقولنا **** أبدا وأنت من الرشاد عديم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها **** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما وعظت ويقتدي **** بالعلم منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله **** عار عليك إذا فعلت عظيم
أيها المدرسون والمدرسات : مهنتكم من اعز المهن، وقد قيل كاد المعلم أن يكون رسولا .. إنها وظيفة ومهمة الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وسلامه، قال صلى الله عليه وسلم :" إنما بعثت معلما"
[ الضعيفة 1/66 رقم 11]، فجملوا هذه المهنة بالإخلاص واحموها بالجد والمتابعة.
أخي المعلم: الأمانة الأمانة في الحضور.. في الانصراف..في التصحيح.. في العدل بين الطلاب.. فان النبي صلى الله عليه وسلم يقول " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " رواه مسلم.
عن مجلة التربية