في كثير من
ممارساتنا التعليمية نجد مجموعة من الاختلالات الذاتية و الموضوعية التي
تعيق كل تغيير أو إصلاح منشود . فلا غرابة إذن ، أن كل أجرأة لبيداغوجيا
معينة إلا و سوف تلقى عوائق تفقدها قيمتها و تفرغها من معناها .
إن واقعنا التعليمي زاخر بمثل هذه الحالات على
المستويين الذاتي والموضوعي ، نظرا لجملة من الإكراهات التي باتت معها
المؤسسة التعليمية و النظام التعليمي برمته يتخبط في متاهات الإصلاح
المفقود . و بالتالي فهناك حلقات مفقودة من هذا الإصلاح تتطلب الكشف عنها و
الوقوف عليها بالدراسة و التحليل قصد تخطي العوائق، و أن نخطو خطوات مهمة
في سبيل الوصول إلى مراتب متقدمة و عليا من تطور نظامنا التربوي التعليمي .
و من بين هذه الحلقات المفقودة ، نجد المدرس(ة) ، على اعتباره صلة الوصل بين التنظير و التطبيق ، لذا وجب إخضاعه لتكوين مستمر .
لقد بدا واضحا أن
المدرس(ة) هو المستهدف الأول من هذا التكوين، لا لشيء سوى لكونه يعتبر
المنفذ الحقيقي للسياسة التربوية ، إذ أن المدرسين أساسا هم الدعائم
المحورية للنظم التربوية والاجتماعية. فعبرهم يتم تمرير مختلف المعارف
والقيم والمهارات والتوجهات الفكرية والأيديولوجية ... التي يسعى كل نظام
تربوي إلى نقلها وترويجها وفق شروطه المحددة في الزمان والمكان . لذا فقد
أصبحت مسألة تكوين هؤلاء – ومعهم أيضا كافة الأطر التربوية- تكتسي أهمية
شارطة في المجتمعات المتقدمة.
فالمدرس هو إذن بمثابة المحور الرئيس في العملية التعليمية التعلمية؛ إذ
يعمل على تخصيص الغايات والمرامي المسطرة من طرف المجتمع ، على شكل كفايات
أساسية ، ويسعى جاهدا بمعية مجموعة من المتعلمين إلى بلوغها .
يبدو أن المدرس لا زال لم يع ذاته و لم يستوعب دوره داخل المنظومة التربوية، و لا المهام المنوطة به أثناء تطبيق بيداغوجيا محددة .
و لا غرابة إذن أن نجد مجموعة من النتائج البعيدة كل البعد عن الأهداف
المسطرة في مرحلة التنظير و البرمجة . و لو أخدنا نموذج بيداغوجيا الإدماج،
و بالضبط الأسابيع الأولى للإدماج، و التي تم تعميمها خلال الموسم الدراسي
الحالي ، فإننا نجد الكثير من التعثرات و الصعوبات أثناء عملية الأجرأة و
كذا اختلالات جمة .
و من الملاحظات التي يمكن تسجيلها في هذا الصدد، أذكر بعضا منها على النحو الآتي :
1 ــ
بعض الوضعيات لا تناسب وسط المتعلم ، و بالتحديد المستوى السوسيوثقافي و
الطبيعي ، مما يسبب عبءا ثقيلا على المدرس لتقريب محتويات و مضامين لا دخل
للمتعلم فيها . و بالتالي قد نسقط في خانة الإلقاء و الجاهزية . إن كل
وضعية تعلمية وجب أن تأخذ بعين الاعتبار محيط المتعلم بالمعنى الواسع
للكلمة ، حتى يتسنى لهذا الأخير الانخراط بفعالية و جدية في الوصول إلى
إجابة مرضية عن تعليمات الوضعيات المقدمة له .
2 ــ وضعيات
لا تناسب الموارد المتوفرة لدى المتعلم . صحيح أن أسبوعي الإدماج فرصة
لمعرفة قدرات المتعلم و هل تم الاكتساب بشكل إيجابي خلال فترات إرساء
الموارد ، و منه الوصول إلى الكفايات المحددة سلفا . لكن أهم ما يلاحظ أن
وضعيات أسبوعي الإدماج جاءت منفصلة عما تم إرساؤه خلال الأسابيع الأولى،
لسبب واحد هو أن البرامج و المناهج لا زالت لم تواكب بيداغوجيا الإدماج .
وبعبارة أدق، لم يطرأ عليها أي تغيير . و في هذا الصدد قد تم تقديم وضعيات
تعلمية تضم مضامين لا زال المتعلم لم يدرسها و لم يسبق له أن اكتسبها .
3 ــ
إن أهم ما يمكن ملاحظته ، هو الخلط بين المفاهيم من طرف مجموعة من
المدرسين . فإذا كانت الوزارة قد عمدت إلى تخصيص أسابيع للتكوين حول
بيداغوجيا الإدماج ، و على الرغم من قلتها ، بمعدل خمسة أيام للمدرس الواحد
، فإن الكثير من المكونين لم يستطيعوا بعد استيعاب آليات اشتغال تلك
البيداغوجيا . فكان التساؤل يطرح بصيغة البحث عن العلاقة بين الكفاية و
الإدماج . أو بصيغة هل يمكن الاستغناء عن بيداغوجيا الكفايات في مقابل
بيداغوجيا الإدماج ؟
هناك حقيقة مرة تكمن في طيات هذا التساؤل ، مفادها أن المتسائل لازال لم
يستوعب بيداغوجيا الكفايات . و بالتأكيد هناك أسباب كثيرة لهذه الحالة لا
أريد التفصيل فيها، بقدر ما أرغب في طرح فكرة إعادة النظر في التكوين
المستمر المخصص للمدرس . إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال الشروع في تطبيق
بيداغوجيا جديدة دون إعداد الموارد البشرية المسايرة للتطور و الكفيلة
بإخراج ما هو نظري من دائرة التنصيص إلى دائرة الأجرأة و التطبيق الفعلي .
إن بيداغوجيا كالإدماج تستلزم عُدة وجب توفيرها قبل الشروع في تطبيقها .
4 – تبقى
نقطة بالغة الأهمية متعلقة أساسا بالمدرس في تعامله مع الوضعيات الإدماجية
، فحاول نقل هم تلك البيداغوجيا إلى آباء وأولياء التلاميذ من خلال تكليف
المتعلمين بالإجابة عن التعليمات خارج حجرة الدرس، قبل الموعد المخصص لها .
كل ذلك تحت حجة الإعداد القبلي من أجل بلوغ الكفايات الأساسية داخل
المؤسسة التعليمية ، مما أربك أولياء المتعلمين و خاصة الذين لا ينتمون إلى
قطاع التربية و التعليم ، فباتوا يبحثون عن أقرب مدرس جار لفك لغز
الوضعيات الإدماجية .
إنه لمن الخطأ أن يعمل بهذا الأسلوب المعتاد عادة في البيداغوجيات السابقة،
إذ تخصص أنشطة للإعداد القبلي ، إلا أن أسابيع الإدماج تستلزم أن نضع
المتعلم أمام وضعيات تعلمية قصد الوقوف على قدرته على التجاوب معها، و
بالتالي إعداد خطة الدعم و المعالجة الضرورية لاستكمال اكتساب المتعلم .
من جانب آخر ، أصبح
من اللازم استثمار بيداغوجيا الخطأ ضمن سيرورة الإدماج . و لتكسر تلك
النظرة الضيقة التي كانت تعتبر الخطأ مصدره المتعلم وحده و أن المدرس
الناجح في مهامه هو الذي لا يصدر من تلامذته أي خطأ .
إن بيداغوجيا الإدماج جاءت لتكشف عن تعثرات المتعلمين والبحث الفعلي عن
أساليب للدعم و المعالجة، لا لكي يجيب المتعلم عن الوضعيات بمعية شخص آخر
خارج حجرة الفصل .
تبقى
إذن ، هذه جملة من الملاحظات المسطرة أثناء أسبوعي الإدماج و التي قد تفتح
نقاشا جادا بين مختلف أطراف العملية التعليمية التعلمية، قصد تجاوز
التعثرات السابقة و البحث و الانخراط في الكيفية التي يستطيع بواسطتها
المدرس تقييم و دعم إنتاجات
ومكتسبات المتعلم وفق بيداغوجيا الإدماج .
ذ. رشيد الخديمي .
ـــــــــــــــــ