الشخصية الإسلامية... الناجحة إداريًّا
إخوان أون لاين - 07/10/2003
• تنطلق من العقيدة وتستهدف خيرَي الدنياوالآخرة.
• الطابع الإيماني يصبغ كل نشاطاتها، وهوالعلامة المميزة لها.
الشخصية- في جميع عناصرها وتنوع مقوماتها- هي اليد التي تَرسم على لوحة الواقع صيغةَ السلوك، وهي الشخص الذي تظهر صورتُه سلوكًا على مرآة الحياة. وتتميز الشخصية الإسلامية في هذا الصدد بسمات إنسانية معينة، تختلف كل الاختلاف عن سمات الشخصية غير الإسلامية؛ لأنها تختلف عنها في الدوافع والمحفزات والتكوين الذاتي ونوعية السلوك ومقياس العمل والاختيار، فضلاً عن تقرير المواقف والغايات والأهداف؛ وهو ما ينتج عنه اختلاف في طبيعة السلوك، ونوعية المواقف والممارسات الحياتية.
وتنطلق الشخصية الإدارية الإسلامية الناجحة من العقيدة، وتتقوم بمقومات الفكر الإيماني والعاطفة الإنسانية والإرادة الملتزمة والمقياس الإيماني للسلوك، كما تفرز- دومًا- وحدة سلوكية وفكرية وعاطفية متماسكة متكاملة، ضمن إطار التنظيم الاجتماعي العام، الذي يستهدف تشييد الهيكل الحضاري وصوغ التاريخ وصنع الحياة.
والأمر هكذا، فما سمات الشخصية الإسلامية الناجحة إداريًّا؟ وكيف يمكن للمرء أن يبني شخصيته الإدارية طبقًا للرؤية الإسلامية؟
هذا ما نتناوله في السطور التالية:
* مقومات الشخصية الإسلاميةالإدارية:
للشخصية عناصر أساسية، ومقومات رئيسة تتقوم بها، بحيث تقرر هذه العناصر والمقومات طبيعة الشخصية، وتحدد هويتها وآثارها السلوكية والتعاملية في خارج الذات الإنسانية.
والذي يهمنا هنا دراسة الشخصية، وتحديد معالمها الرئيسة، وتبيان مقوماتها وعناصرها الأساسية التي تصنعها، وتحدد ماهيتها وكيانها وتصبغ كل نشاطاتها ومواقفها، والشخصية الإسلامية أساس وقواعد يُشاد عليها وجودها، وتُبتنى عليها كل مظاهر تَحقُّقِها وتَجسُّدِها، بحيث تتميز عن غيرها من الشخصيات بما يلي:
- بالتكوين الذاتي.
- بالدوافع والمحفزات.
- بالاختيار وتقرير المواقف.
- بنوعية السلوك ومقياس العمل، وصدق الله القائل: ﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾ (البقرة: 138).
فالشخصية الإسلامية هي الشخصية المصبوغة بصبغة خاصة، والموسومة بميسم معين؛ هو ميسم الإيمان، وصبغة الإسلام، والالتزام بحدوده.
هذه الشخصية الإسلامية الملتزمة تتقوم بمقومات رئيسة، يتكون منها وجودها، وتكتمل بتفاعلها، وتوازن حركتها، وهذه المقومات هي:
* الفكر الإيماني.
* العاطفة الإنسانية.
*الإرادة الملتزمة.
*المقياس الإيماني للسلوك .
فتلك الركائز الأساسية الأربعة القائمة على أساس الإيمان بالله والارتباط به، هي العناصر التي تتكون بها الشخصية الإسلامية، وتتميز بواسطتها عن الشخصيات الأخرى، وهي بدورتها تتفاعل بعضها مع بعض لتكون المخطط الهادف، والحارس اليقظ لتحديد الموقف السلوكي، حينما تتفاعل الدوافع والمحفزات والغرائز الواقفة خلف الشخصية، وعندها تحتك بمثيراتها ومواضع تؤججها في المحيط والبيئة الإنسانية التي تواجهها الشخصية في الخارج، فيكون موقع الشخصية على هذا الاعتبار موقع القائد، والمسيطر الذي يوجه حركة الذات- بكل ما فيها من نوازع واتجاهات وغرائز- الوجهة التي تختارها الشخصية، وترغب في الظهور بها في العالم الخارجي حسب طبيعتها وماهيتها.
وتتخذ الأفكار مركز التوجيه وتحديد الهوية لبقية العناصر: العاطفة، والإرادة، والمقياس السلوكي، فإن كانت طبيعة الأفكار إيمانية، تقوم على أساس الإيمان بالله، فإنها ستنسحب بصبغتها الإيمانية على عناصر الشخصية، وتحدد كل مساراتها واتجاهاتها لتنطبع هذه الصبغة الشخصية على السلوك والمواقف.
أما إن كانت عناصر الشخصية غير إسلامية تقوم على مفهوم الشرك والإلحاد، أو العلمانية والانفصالية التي تباعد بين الإيمان والحياة، فإن هذه الشخصية ستكون شخصية جاهلية تصطبغ كل عناصرها- من عاطفة، وإرادة، ومقياس سلوكي- بهذه الصبغة الجاهلية التي تميزها عن الشخصية الإسلامية بدرجة تظهر فيها آثار الشخصية واضحة، متجسدة في السلوك والتعامل، بحيث نشاهد الفرق واضحًا متميزًا بين الشخصية الإسلامية وتلك الشخصية الجاهلية؛ سواءً في العناصر الأساسية (الفكر والعاطفة والإرادة والمقياس العملي للسلوك)، أو في المظهر الخارجي للشخصية، الذي يرسمه ويعبر عنه السلوك والتعامل الإنساني.
ومن المفيد هنا أن نحدد عناصر الشخصية الإسلامية، فنتناولها بشيء من التوضيح؛ لتكتمل فكرة الشخصية والعلاقة بين عناصرها الداخلية، وتتضح الرابطة بين هذه العناصر والسلوك الخارجي للإنسان، وهذه العناصر هي:
1- الفكر.
2- العاطفة.
3- الإرادة الملتزمة.
4- المقياس الإيماني للسلوك.
وبشيء من التفصيل نرى:
- الفكر:
يحتل الفكر موقع القاعدة والمصدر الذي تتفرع عنه وتنمو عليه كل عناصر الشخصية الأخرى؛ لذلك فإن الأفكار تشكل الهيكل الرئيس في بناء الشخصية، والمحور الأساس الذي تدور عليه وتتجه معه كل المقومات الأخرى.
ويتميز الفكر الذي تتكون به الشخصية الإسلامية عن غيره من الأفكار المقومة للشخصيات المتعددة الأخرى بعناصره الأساسية الثلاثة:
أ- طريقة التفكير (منهج التفكير).
ب- العقيدة.
ج- الثقافة.
أ- طريقة التفكير:
إن طريقة التفكير هي المنهج والأسلوب الذي يمارس الفكر نشاطاته وجهوده وفق خطته، فإن كان المنهج أو طريقة التفكير مادية- تقوم على أساس الحس والتجربة فقط- كان التفكير ماديًّا تجريبيًّا، لا يستطيع أن يوصِّل إلى اكتشاف الإيمان، واستنتاج فلسفة للقيم الخلقية والروحية في الحياة؛ لأن تلك الحقائق ليست من الأمور التي تستطيع التجارب والمختبرات أن تكشفها أو تتوصل إليها؛ لذلك فإن المنهج الذي يحصُر نفسه بحدود التجارب المادية- في الفهم وتحصيل المعارف واعتناق العقائد- يتناقض بصورة أساسية مع المنهج الإسلامي الذي يقوم على أساس الإيمان بالتفكير العقلي المجرد، كأسلوب علمي للبحث عن الإيمان، وكمنهج رائد في طريقة المعرفة الإلهية.
إلا أن التفكير الإسلامي- مع إيمانه بهذا المنهج واعتماده عليه- لا يغفل أهمية استخدام التجربة، ويهمل الطريقة التجريبية في تحصيل المعارف وانتزاع المفاهيم التي تُغني الفكر بالمعلومات والمقدمات الموصلة إلى الإيمان والتصديق برسالة الأنبياء.
فالطريقة العقلية في التفكير- وحدها- تستطيع أن تدرك وجود القيم الروحية والأخلاقية؛ وهي وحدها تستطيع أن توصل الفكر إلى الإيمان بالله، وتعمل على تحرير الإنسان من سيطرة الحياة المادية، بحيث تصبح المكاسب المادية- من مال وثروة وجاه ومُتَع ولذَّات- أشياء ثانوية في الحياة، لا ترتبط بها الشخصية الإسلامية إلا بقدر ما تحتاج إليه في تدبير شئون الحياة، وِفق طريقة شريفة نظيفة موصلة إلى الغايات الروحية السامية.
ويسهم منهج التفكير في بناء الشخصية وإقامة أهم دعائمها، وبدون هذا المنهج يُصاب الفكر الإيماني ومكتسباته الفكرية بفوضى وضياع يؤديان إلى ذوبان الشخصية وازدواجها.
ب- العقيدة:
تسهم إسهامًا فاعلاً في بناء الشخصية؛ لأنها تشكل النظرة التفسيرية للحياة والوجود وللعالم الخارجي، فتُسلَك كأساس لتصور الإنسان للمواقف والسلوك والعلاقات، وكمنطق للتقويم وإصدار الأحكام على الأشياء وفهمها.
وليس في عالم المعتقدات عقيدة كعقيدة التوحيد- الإيمان بالله وإفراده بالعبادة وحده - من حيث سعتها وشمولها، وانطباقها على كل موقف وسلوك إنساني؛ حتى لتُسلَك هذه العقيدة (الإيمان بالله وما يتفرع عنه) كرائد يخطط للإنسان طريق السَّير، وقائد يتقدم المسيرة، ومحورٍ تدور عليه كل نشاطات الإنسان.. فالإنسان المسلم يُقوِّم كل أعماله وتصرفاته ومواقفه وعلاقاته على أساس الإيمان بالله، والاستجابة لأمره، وحب التقرب منه والتعبد له؛ وعلى أساس أن عالم الدنيا هو عالم التراب الفاني، وأن الخُلد والنَّعيم والسعادة الأبدية متحقِّقة في عالم الآخرة، وبهذا الطابع الإيماني تنطبع كل نشاطات الإنسان المسلم، فيكون هذا الطابع هو المميز لشخصيته، والعلامة البارزة لمجتمعه وحياته.
وتمثل العقيدة أساس تصور الفرد للموقف والعلاقة والسلوك والتقويم للآخرين في كل مناحي الحياة، وخاصةً الفرد الإداري في المؤسسة.
جـ- الثقافة:
تشكل الركن الثالث في بناء الجانب الفكري في الشخصية، والثقافة ليست مجموعة المعارف التي يكتسبها الإنسان ويحتفظ بها بطريقة معزولة عن الحياة، بعيدةً عن الممارسة؛ وإنما الثقافة هي المعرفة التي تؤثر في اتجاه السلوك وتوجُّه حياة الإنسان.
والإنسان المثقَّف هو الإنسان المهذب؛ أي الإنسان الذي شذَّبت وهذَّبت المعارف -التي اكتسبها- كل سلوكه، وخلصته من الشوائب والانحرافات.
لذلك يُسمَّى الإنسان الذي يحمل الأفكار والمعلومات- وهو شاذ منحرف في أفكاره وسلوكه- "إنسانًا متعلمًا"، وليس مثقفًا؛ فالمثقف هو: الإنسان الذي يحمل الفكر السليم، ويسلك على أساسه السلوك السويّ.
وعلى هذا الاعتبار يكون الإنسان المثقف هو الإنسان السوي السلوك، والمستقيم الاتجاه، وليس هو الإنسان الذي يكتنز مجموعةً من المعارف دون أن تغير سلوكه أو تؤثر في حياته؛ وبذا يكون للثقافة أثرٌ بالغ الأهمية على الشخصية، وعلى اتجاهها في الحياة.
وترتبط الثقافة الإسلامية ارتباطًا وثيقًا بالعقيدة ومنهج التفكير، فالثقافة وليدة العقيدة والمنهج، ونتاج التحصيل العلمي الملتزم بهذين المحوَرَين؛ لذلك نقول هذه ثقافة إسلامية، وتلك ثقافة مادية غربية، أو مادية شيوعية، أو ثقافة يونانية... إلخ، ويأتي هذا الاختلاف في نوع الثقافة من اختلاف العقيدة والمنهج اللذَيْن يحددان طبيعة الثقافة وقيمتها العلمية في الحياة.
والثقافة- من وجهة النظر الإسلامية- هي المعرفة التي تساعد الإنسان على فهم الحياة وكيفية العيش فيها، وبذا تكون الثقافة جوهر الشخصية الإدارية ومادة بنائها.