يتبع الميت ثلاثة
الحمد لله الذي خلق فسوى والذي قدّر فهدى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .. أما بعد
أيها المسلمون اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسملون .
عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يتبع الميت ثلاث فيرجع اثنان ويبقى واحد يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله ) رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية قال ( مامن عبد إلا له ثلاثة أخلاء فأما خليل فيقول ما أنفقت فلك وما أمسكت فليس لك فذلك ماله .
وأما خليل فيقول أنا معك فإذا أتيت باب الملك رجعت وتركتك فذلك أهله وحسبه وأما خليل فيقول أنا معك حيث دخلت وحيث خرجت فذلك عمله فيقول إن كنت لأهون الثلاثة عليّ ) .
أيها الأخوة
هذه الدنيا يعيش فيها الإنسان مع الأهل والمال وهما صاحبان يفارقانه ويفارقهما فالسعيد من اتخذ من ذلك مايعينه على ذكر الله وينفعه في الآخرة .
فيأخذ من المال مايبلغ به الآخرة ومن الأهل من يكون امتدادا لعمله الصالح .
فأما من اتخذ أهلا ومالا يشغله عن الله فهو خاسر ( شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا ) وقال ( لاتلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ) ( وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا ) .
وفي الحديث ( ابن آدم عش ماشئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ماشئت فإنك ملاقيه وكن كيف شئت وكما تدين تدان ) رواه أحمد والحاكم وهو صحيح .
فإذا مات ابن آدم وانتقل من هذه الدار لم ينتفع من أهله وماله بشيء إلا بدعاء أهله واستغفارهم وبما قدمه من ماله بين يديه ) .
قال تعالى ( يوم لاينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ماخولناكم وراء ظهوركم ) .
( والمال والولد الذي ينفع بعد الموت وهو المال الصالح والولد الصالح ) .
( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له أو علم نافع ) .
ومن الأهل من هو عدو كما قال تعالى ( إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ).
ومن الأهل من ينشغل بالميراث ونيسى الميت ويبكون لفقد حظوظهم .
أيها الأخوة
هذه الدنيا دار الزوال فلنوطن أنفسنا على مفارقتها ولاينتفع الميت بعد موته بأهله ولاغيرهم إلا بالاستغفار له والدعاء والترحم والصدقة والزيادة .
أما تلقينه والإقامة على قبره إقامة طويلة فلا ينتفع بها شيء أو قراءة القران عند قبره .
وأهل الإيمان تنزل عليهم الملائكة بالبشرى لهم عند الاحتضار بألا يخافوا مما هم قادمون عليه ولايحزنوا على ماخلفوا من الأهل فإن يتكفل بهم فتقر عين المؤمن بذلك مع خليلهم .
فهذا أحد الأخلاء الثلاثة وهو الأهل يصلون إلى باب الملك وهو اللحد ثم يرجعون عنه وأما الخليل الثاني وهو المال فيرجع عن صاحبه أولا ولايدخل معه القبر .
فالمال النافع من قدمه الإنسان أمامه فإنه يقدم عليه وهو داخل في علمه الذي يصحبه في قبره وأما ماخلفه فهو لورثته وهو الخازن له .
وفي الحديث يقول ابن آدم مالي مالي قال وهل لك يابن آدم من مالك إلا ماأكلت فأفنيت أو لبست فأبيلت أو تصدقت فأمضيت ) .
( يقول العبد مالي مالي إنما له من ماله ثلاث ماأكل فأفنى أو لبس فأبلى أو أعطى فاقتنى وماسوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس ) مسلم .
( أيكم ماله وارثه أحب إليه من ماله قالوا مامنا إلا ماله أحب إليه من مال وارثه قال : فإن ماله ماقدّم ومال وارثه ما أخرّ ) .
أما من أنفقه في المعاصي فهو عليه لا له ( فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ) .
وكذلك من أمسكه ولم يؤد حق الله عز وجل منه فإنه يُمثل له شجاعا أقرع يتبعه ويأخذ بشدقيه ويقول أنا مالك أنا كنزك ويلقمه يده فيقضمها قضم الفحل .
وإن كان المكنوز ذهبا أو فضة جعل صفائح فأحمى عليها ثم كوي بها جنبيه وجبهته وجنبه .
فالعاقل هو من قدّم من ماله مايحبه فيفوز به في دار الإقامة فإن من أحب شيئا استصحبه معه ولايدعه لغيره فيندم ولاينفع الندم .
وسُئل أبو حازم مابالنا نكره الموت قال لتعظيمك الدنيا جعلت مالك بين عينيك فأنت تكره فراقه ولو قدمته لآخرتك لأحببت اللحوق به .
وكان ابن عمر إذا أعجبه شيء من ماله تصدق به ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) .
ودخل رجل على أبي ذر رضي الله عنه فجعل يقلب بصره في بيته فقال يا أبا ذر أني ــــ قال إن لنا بيتا نوجه إليه صالح متاعنا قال إنه لابد لك من متاع مادمت هنا قال إن صاحب المنزل لايدعنا فيه .
وقال الحسن ( بئس الرفيقان الدرهم والدينار لاينفعانك حتى يفارقانك ) .
ياجامع المال ما أعددت للحفر هل يُغفل الزاد من أضحى على السفر
وأما الخليل الثالث فهو العمل وهو الخليل الذي يدخل مع صاحبه قبره فيكون معه فيه ويكون معه إذا بعث ويكون معه في مواقف القيامة وعلى الصراط وعند الميزان وبه تقتسم المنازل في الجنة والنار . ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ) ( ومن كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ) .
فالعمل الصالح يكون مهادا لصاحبه في القبر حيث لايكون متاع .
قال بعض السلف ( لابن آدم بيتان على الأرض وبيت في بطن الأرض فعمد إلى الذي على وجه الأرض فزخرفه وزينه وجعل فيه أبوابا للشمال وأبوابا للجنوب ووضع فيه مايصلحه لشتائه وصيفه ثم عمد إلى الذي في بطن الأرض فأخربه .
فإذا مثل هذا البيت الذي أصلحته كم تقيم فيه قال لا أدري قيل له والذي أخربته كم تقيم منه قال فيه مقامي قال تقر بهذا على نفسك وأنت رجل عاقل ) .
فالمؤمن يأتيه عمله الصالح في قبره في أحسن صورة فيبشره بالسعادة من الله والكافر بعكس ذلك والأعمال الصالحة تحيط بالمؤمن في قبره .
ففي صحيح ابن حبان عن أبي هريرة مرفوعا ( والذي نفسي بيده أنه ليسمع قرع نعالهم حين يولون عنه فإن كانت مؤمنا كانت الصلاة على رأسه والزكاة عن يمينه والصوم عن شماله وفعل الخيرات والمعروف والإحسان إلى الناس من قبل رجليه فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة ليس من قبلي مدخل وذكر سائر الأعمال كذلك وقال في الكافر يؤتى من هذه الجهات فلا يوجد شيء فيجلس خائفا مرعوبا ) وإسناده حسن .
قال عطاء بن يسار إذا وضع الميت في لحده فأول شيء يأتيه عمله فيضرب فخذه الشمال فيقول أنا عملك فيقول فأين أهلي وولدي وعشيرتي وما خولني الله فيقول تركت أهلك وولدك وعشيرتك وماخوّلك الله وراء ظهرك فلم يدخل معك قبرك غيري فيقول ياليتني آثرتك على أهلي وولدي وعشيرتي وما خوّلني الله إذا لم يدخل معي غيرك ) .
وقال يزيد الرقاشي ( بلغني أن الميت إذا وضع في قبره احتوته أعماله ثم انطقها الله فقالت أيها البعد المنفرد في حفرته انقطع عنك الأخلاء والأهلون فلا أنيس لك اليوم غير نائم ثم بكى يزيد.
وقال طوبى لمن كان أنيسه صالحا والويل لمن كان أنيسه وبالا .