الوصايا العشر الجديدة لإصلاح التعليم الابتدائي في الصين
بقلم : شادي أحمد 2014-02-23 23 /4 /1435
لا اختبارات قياسية، لا واجبات منزلية تحريرية، لا تتبع للطالب بمزيد من الأنشطة التعليمية بعد انتهاء اليوم الدراسي؛ هذه هي بعض الإجراءات المستحدثة التي تتخذها الصين لتخفيف العبء التعليمي (الأكاديمي) للطالب. فقد أصدرت وزارة التربية والتعليم بالصين عشر لوائح لتخفيف العبء الأكاديمي عن طلاب المدارس الابتدائية، وطرحتها هذا الأسبوع للشعب للتعليق العام عليها. وتم تقديم العشر لوائح كأحد أكثر التدابير أهمية لإصلاح النظام التعليمي بالصين، بالإضافة إلى تقليل المحتوى التعليمي المقرر في المناهج الدراسية أو ما يسمى بالحشو، وخفض الصرامة والقسوة والشدة التي تكتسي وتتسم بها الموضوعات التعليمية في الكتب المدرسية، وتوسيع نطاق المعايير المعتمدة لزيادة جودة التعليم وتحسين قدرة المعلم.
أما اللوائح العشر المدرجة في مسودة المشروع المنشور فهي كالتالي:
شفافية القبول
فالقبول في المدرسة لا ينبغي أن يأخذ في الاعتبار أية شهادات إنجاز أو نتائج امتحانات، فعلى المدارس أن تسمح بقبول جميع الطلاب على أساس مقر إقامتهم دون النظر إلى أي عوامل أخرى.
التجميع المتوازن
يجب على المدارس وضع الطلاب في الفصول المدرسية وتعيين المدرسين لها بشكل عشوائي أو بعبارة أخرى بشكل غير انتقائي، كما يمنع منعًا باتًا اللجوء لاستخدام أي عذر لإقامة فصول تمييزية تحت مسمى طلاب «المسار السريع» وفصول طلاب «المسار البطيء».
انطلاق التدريس يبدأ من «نقطة الصفر»
تدريس جميع المواد يجب أن يراعي أن جميع طلاب الصف الأول سيبدؤون من نقطة الصفر، ومن ثم يجب على المدارس عدم افتراض توقعات أكاديمية عليا غير حقيقية من الطلاب، وعدم الإسراع في وتيرة التدريس بناءً على هذه الافتراضات.
لا للواجبات المنزلية
لا يسمح بتكليف طلاب المدارس الابتدائية بأداء واجبات منزلية تحريرية. ومع ذلك، يمكن للمدارس تحديد الواجبات المنزلية التجريبية المناسبة من خلال العمل مع الآباء والأمهات والجهات المجتمعية لترتيب الرحلات الميدانية والزيارات المكتبية والأنشطة الحرفية.
الحد من الاختبارات
لا يسمح بإجراء اختبارات قياسية لأطفال الصف الأول والثاني والثالث، بينما يسمح بإجراء اختبار قياسي لطلاب الصف الرابع فما فوق لمرة واحدة فقط في كل فصل دراسي في مواد اللغة الصينية والرياضيات واللغة الأجنبية، كما لا يسمح أن تعطى أنواع أخرى من الاختبارات أكثر من مرتين في كل فصل دراسي.
التقييم الفئوي
يمكن للمدارس أن تتخلى عن نظام الدرجات أو الـ(100) نقطة التقليدية، وتلجأ إلى استخدام التصنيفات التالية: «(رائع بشكل) استثنائي، ممتاز، ملائم، وغير ملائم».
التقليل من المواد التكميلية
يمكن للمدارس استخدام نوع واحد من المواد لاستكمال موضوعات الكتب المدرسية، بشرط موافقة الوالدين. ويحظر على المدارس والمدرسين أن يوصوا، أو يقترحوا، أو أن يقوموا بتشجيع تدريس أي مواد تكميلية للطلبة.
المنع الصارم للحصص الإضافية
لا تستطيع المدارس والمعلمين تنظيم أو تقديم تدريبات أو حصص دراسية إضافية بعد ساعات الدراسة العادية، أو أثناء العطلات الشتوية والصيفية وأيام الأعياد الأخرى. كما لا يمكن للمدارس العامة ومعلميها تنظيم أو المشاركة في أنشطة تعليمية إضافية.
الحد الأدنى لممارسة التمارين البدنية هي ساعة واحدة
يجب أن تتكفل المدرسة بتقديم دروس التربية البدنية وفقا لخطة المناهج الدراسية الوطنية، بحيث تكون الأنشطة البدنية والتمارين الحسية أثناء فترات الراحة وأثناء العطلات.
تعزيز ومراقبة تطبيق اللوائح بشكل جيد
يتعين على الجهات التعليمية المختصة على جميع المستويات الحكومية إجراء عمليات تفتيش منتظمة ورصد للإجراءات لتخفيف العبء التعليمي (الأكاديمي) الملقى على الطلبة، ونشر نتائج هذه التفتيشات، كما أن الأفراد المنوط بهم الحد من العبء الدراسي على الطلاب يعتبرون مسؤولين أمام الحكومة عن هذه المهمة.
معلمون معارضون لبعض الوصايا العشر الجديدة
أعلن بعض المعلمين معارضتهم التامة للتوصية الخاصة بتوقف المدرسة عن إعطاء واجبات منزلية تحريرية والتي تهدف للحد من الضغوط الدراسية الملقاة على كاهل الطلاب. ويرى المعلمون أن الواجبات المنزلية ضرورية بشكل جوهري إذا أردنا أن نطور مهارات أطفالنا التعليمية.
يقول معلم الابتدائي ليو بي «إن من غير المعقول ألا يعطى للأطفال واجب منزلي تحريري، فالأطفال يتعلمون بسرعة، لكنهم أيضًا ينسون بسرعة. ولذلك، يعتبر الواجب المنزلي وسيلة جيدة لمساعدتهم على التذكر وتدعيم وتثبيت ما تعلموه في الفصل». ويؤيد كثير من المعلمين والتربويين وجهة نظر المعلم ليو بي.
فمدير مدرسة «تشانجنج» الابتدائية التجريبية، بان زونججوان، يرى «أن تخفيض الواجب المنزلي لا يعني عدم وجود واجب منزلي تحريري. وما يجب أن يتجنبه المعلمون هو إعطاء واجبات منزلية متكررة أو تكرارية إذا كان بوسع الأطفال أن يتعلموا نقاط الدرس من خلال تكليفات محددة أقل». ويضيف زونججوان أنه إذا لم تعط المدرسة واجبًا منزليًا، فسيلجأ الآباء الشغوفون والمتشوقون لمستوى أفضل إلى تنظيم دروس خارج المدرسة، خشية من تخلف أو تأخر مستوى أبنائهم.
وفي هذا السياق، قال والدا أحد طلاب الصف الثاني الابتدائي من شنغهاي إنهما قد أنفقا هذا العام على ابنهما ما يقرب من ثلاثين ألف يوان، أي ما يوازي (4901) دولار أمريكي لأعطائه دروسًا إضافية في مواد مثل اللغة الانجليزية والرياضيات.
ويتوقع دكتور يونج زاهو، العالم التربوي والمؤلف العالمي الذي تركزت مؤلفاته- التي بلغت 20 كتابًا ومائة مقال- على «تأثيرات العولمة والتقنية على التعليم»، أن تجد الوصايا العشر الجديدة صعوبة في التطبيق والنجاح في بلد كبير بحجم الصين. وأكبر المعوقات ستتمثل في ازدياد أعداد الآباء الراغبين في المنافسة حامية الوطيس. ويضيف د. زاهو «أن الثقافة الصينية تعمل وفق أسلوب أساسه أنك ستكون جيدًا فقط حينما تكون أفضل من الآخرين. فكل أب يرغب في أن يلتحق طفله بأفضل جامعة، ومن ثم سيكون هناك سباق لإرسالهم لأفضل حضانة، وأفضل مدرسة ابتدائية، وإعدادية (متوسطة)، وأفضل مدرسة ثانوية...إلخ».
وفي ضوء ذلك، يتوقع د. زاهو حدوث زيادة في التعليم الخاص (الأهلي) إذا ما حظرت الصين الواجبات المنزلية في المدارس الابتدائية.
ووفقًا لما نشرته صحيفة «تشينا ديلي» الصينية، فإن العاملين حتى في دور الحضانة يعارضون هذه التوجهات الجديدة التي تحظر الواجبات المنزلية. يقول لي يون، الذي يدير حضانة في إحدى المقاطعات المتاخمة لدولة كوريا الشمالية «إن نحو 60 في المائة من فصول الحضانة تدّرس موضوعات تعليمية مثل الرياضيات واللغة الإنجليزية». ويرى بعض أولياء الأمور أن الواجب المنزلي يجب ألا يلغى. وقد تساءلت ليو كيان، والدة أحد الأطفال في الصف الثالث الابتدائي: «إذا لم يُعط الطفل واجبًا منزليًا ليؤديه، فكيف سيراجع المعلومات التي تعلمها في المدرسة، وكيف سيتعامل مع ضغوط الواجبات عندما ينتقل للمرحلتين الإعدادية والثانوية؟».
أما زهيو يونهونج، المعلم بالمدرسة الابتدائية التابعة لجامعة روجاو نورمال في مقاطعة جيانجسو، فيقول إن إلغاء الامتحانات في الصفوف الدنيا أمر غير مقبول. «فالاختبارات مازالت الوسيلة الوحيدة الفعالة لاختبار المستوى التعليمي للطالب. وعلاوة على ذلك، تعتبر الاختبارات محفزًا جيدًا للغاية للطلاب للاجتهاد في الدراسة».
معلمون مؤيدون لبعض الوصايا العشر الجديدة
يرى أحد كبار التربويين، ويدعى صن يوناكسياو، أن تدريس العادات الطيبة للطلاب وتوفير مزيد من وقت الفراغ لهم يمكن أن يؤازر ويدعم التطور الصحي للطفل.
ويقول صن يوناكسياو، باحث ونائب مدير مركز أبحاث أطفال وشباب الصين، والذي أجرى بحثًا عن تعليم الطفل على مدى 40 عامًا، «إن الوصايا العشر تهدف إلى تحرير الأطفال من أعباء الواجبات المنزلية الزائدة، واستعادة شعورهم بطفولتهم الطليقة. فهدف وزارة التعليم هو تحرير الطلاب من الواجبات المنزلية المفرطة بحيث يتاح لهم الفرصة لترتيب وقتهم بعد المدرسة ليتمكنوا من ممارسة الأنشطة الرياضية، وقراءة الكتب، وأداء الأعمال اليومية في محيط سكنهم. وعلى الآباء أن يشجعوا أبناءهم الطلاب على أداء عادة ما أو سلوك طيب ما مفيد للبيئة من حولهم، علمًا بأن أحد الأبحاث العالمية أشار إلى أن المرء الذي يكرر نفس السلوك لمدة 21 يومًا على التوالي سيصبح عادة أساسية بالنسبة له، وإذا استمر في ممارستها لمدة 90 يومًا ستتشكل لديه عادة مستقرة، لأن تبني العادات الطيبة والحسنة يتطلب المثابرة».
ومن ثم، يصبح الهدف من القوانين الجديدة هو تمكين الطلاب من قضاء حياتهم اليومية بشكل وردي. وعلى الآباء ألا ينسوا أن عليهم أن يكونوا قدوة حسنة أولًا في مجال القراءة وممارسة الرياضة، وتبني العادات السليمة لكي يقلدهم أبناؤهم الطلاب ويسيروا على خطاهم.
يرى اكسنج وينهيو، الأستاذ بجامعة بكين الرياضية والذي شارك في أبحاث رياضية (جسمانية) وطنية طوال سنين، أن معدلات اللياقة البدنية الخاصة بالطلاب الصينيين قد تدهورت وانخفضت منذ عام 1995، ويرجع هذا إلى حد ما لعبء الواجبات المدرسية الزائدة المفروضة على الطلاب.
ويجب أن نذكر هنا أيضًا أن جزءًا كبيرًا من العبء الثقيل الملقى على الطلاب مصدره الآباء أنفسهم، فالآباء يميلون إلى أن يطوروا إمكانيات أطفالهم في الرياضيات واللغة الإنجليزية، وتخصصات أخرى في سن مبكرة للغاية. لذلك من المهم أن نزيد وعي المجتمع، وليس فقط الأكتفاء بإلغاء الامتحانات أو الواجبات المنزلية. فتخفيف الضغط الأكاديمي يمكن أن يفيد صحة الأطفال ويمنحهم مزيدًا من الوقت للعب.
المصدر:
http://zhaolearning.com الكاتـب: دكتور يونج زاهو
المترجم: (صدر في مجلة المعرفة)
http://www.almarefh.net/show_content...153&ShowAll=On