الصراحة عنوان الثقة...

الصراحة عنوان الثقة.......

تمتلئ حياتنا اليومية بالعديد من التفاصيل والأحداث التي تهمنا أو تهم
الآخرين، والتي تختلف درجة أهميتها بالنسبة لنا بقدر تماسها مع جوهر
حياتنا أو حياة المقربين لنا، وهذه الأحداث تندرج تحت أحد المسميين العام
أو الخاص، فتفاصيل الحياة التي تدخل في نطاق العمومية هي تلك المشاعة بين
الناس والتي لا نجد ضررا من تداولها بهدف التعارف وخلق نوع من التواصل مع
الآخر.
أما تلك الخاصة فهي التي يجب ألا يطلع احد عليها باستثناء أولئك الذين
تربطنا بهم علاقات شديدة الخصوصية كالأزواج أو أفراد الأسرة الواحدة أو
الأصدقاء مثلا، وبشكل عام فإن أياً منا يختلف عن الآخر في درجة تقييمه
لمدى سرية بعض تفاصيل حياته، فهناك أناس يروون تفاصيل حياتهم على الملأ
أمام أشخاص قد لا تربطهم بهم سوى علاقة عابرة، وهناك آخرون يعلمون جيدا ما
يجب وما لا يجب أن يقال ولمن يقال أيضا وهؤلاء بالطبع يعرفون كيف يحفظون
سرهم وسر الآخرين إذا أؤتمنوا عليه.
ويتحكم التكوين الشخصي والنفسي للإنسان في طريقته في التعاطي مع الأمور،
كما أن درجة ثقافته ووعيه تلعب دوراً مهماً أيضاً، فسلوك مرذول مثل إفشاء
الأسرار لا يتبناه بالطبع من يدرك حرمة ذلك، كما أن كل السلوكيات الحسنة
لا تنبع إلا ممن يؤمن تماما بضرورتها لكي يشعر بالاتساق مع ذاته.
ومن المؤكد أن نشر الأسرار لا يعتبر صراحة، ذلك لأن الصراحة تعني الشجاعة
والمواجهة والدفاع عن وجهة النظر مع القدرة على تحمل تبعاتها وهي تعبر عن
ثقافة بناء لا يقصد من ورائها الخوض في ما حرمه الله، والصراحة هنا أيضا
يجب ألا يفهم منها انها إباحة لخصوصيات الإنسان نفسه أو ما يخص الآخرين
بدعوى أن أكون صريحا، ولكنها كما قلنا تعبر عن قيمة مهمة في حياتنا تكرس
مفهوم الصدق مع النفس ومع الآخرين.
وإذا كنا قد تحدثنا عن خصوصيات الإنسان وحقه في أن يفضي بها للمقربين إليه
وبحسب تقديره لهم، فإن هناك من يرى أن الأصدقاء دون سواهم هم الملاذ الآمن
للأخذ برأيهم ومشورتهم بل وحتى الائتمان على الأسرار، غير أن هناك نوعاً
ثانياً من الناس يقدر الأصدقاء ولكنه في الوقت نفسه يعطي لشريك العمر
مساحة من الثقة والبوح لا يمنحها لأي ما كان سواه.
الصراحة بين الزوجين تعتبر إحدى الدعائم القوية التي تستند عليها الحياة
الأسرية، ولكن هذه الصراحة تدعمها مجموعة من المؤثرات التي تتحكم في درجة
ترسيخها ومنها مثلا الثقة المتبادلة بين الطرفين والتي تدفع كل طرف إلى
إظهار حسن النية والثقة بأن الطرف الآخر يراعي مشاعره، وهنا حتى مع وجود
أخطاء غير متعمدة نتجت عن سوء تقدير للأمور ومع قدرة كل طرف على مصارحة
الآخر بها تمر الأمور بسلام وبقليل من العتاب.
ولكننا للأسف قد نفتقد هذه الثقة في بعض الأحيان فهناك أزواج يشجعون
زوجاتهم على الصراحة ولكنهم وبدلا من تقدير ذلك ووضع الأمور في نصابها
الطبيعي تجدهم وقد انقلبوا تماما على زوجاتهم وكالوا لهن اللوم والعتاب
وربما تصل الأمور إلى عقاب آخر، وهو ما يدفع الزوجة إلى تبني سياسة
الكتمان في بعض المواقف حتى تجنب نفسها ما حدث سابقا وهو ما يؤدي لاتساع
الهوة النفسية بين الزوجين.
أيضا فإن القدرة على التسامح تدعم الصراحة مادام كل طرف يحترم الثاني
ويحافظ على هذا التقدير، كما أن الالتزام باللباقة في الكلام واختيار
الوقت المناسب للحديث في الموضوعات التي تحمل آراء انتقادية للآخر أمر من
شأنه أن يجعل الأمور أقل حدة.
إن الزوجين اللذين تصل درجة التفاهم بينهما إلى ذروتها يكونان أقرب إلى
بعضهما بعضاً لدرجة أنهما يتحدثان وكأنهما صديقان وكلاهما يعتبر الآخر
مخزن أسراره، وارتباطهما مقدس وعشرتهما عشرة عمر وأبناء وحياة لا تنتهي
إلا بإذن الله.
تلك هي السكينة وراحة البال التي ينعم الله عز وجل بها على عباده مصداقا
لقوله سبحانه وتعالى {{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا
إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون }} (الروم 21).
Very Happy