توفيق بوعشرين
خطاب ابن لادن الأخير الذي وزعته مؤسسة السحال الذراع الإعلامي لتنظيم القاعدة، خطاب يؤشر على تحول هام في فكر زعيم اخطر تنظيم مسلح يخوض حروبا عدة وعلى جبهات متعددة في نفس الوقت (العراق، باكستان السعودية، الجزائر، اليمن، أوروبا...)، اسامة بن لادن رمز العداء لأمريكا في العالمين العربي و الإسلامي، تحدث لأول مرة بأسلوب سياسي برغماتي، و ليس بفكر عقدي مثالي، بدا يتحدث سياسيا و يجرب الصراع السلمي و ليس فقط اسلوب الطائرات الناسفة، و العبوات المفخخة، و العمليات الانتحارية... قال للشعب الأمريكي أن عليه " الضغط على إدارته لإنهاء الحرب في العراق وانسحاب الجيوش الأمريكية من هناك. " وهذه أول مرة يتحدث فيها ابن لادن عن "الضغط السياسي " على الإدارة الأمريكية و من قبل من؟ من قبل الشعب الأمريكي.
في السابق كان بن لادن يقول: "إن سلاح المجاهدين هو الذي سيخرج الأمريكان صاغرين من العراق، و أن الحرب الدائرة في العراق حرب صليبية هدفها الإسلام و المسلمون".
أكثر من هذا غير بن لادن خطابه كلية و أصبح ينصح الإدارة الأمريكية الراهنة و يطلب منها فك ارتباطها السياسي مع السياسة الإسرائيلية في المنطقة، بعد إن كان يعتبر العالم مقسم الى فسطاطين، واحد للمؤمنين و آخر للكفار صار يحلل اللعبة السياسية الدولية، و أصبح يميز بين سياسة امريكا خالصة و أخرى موجهة من قبل اللوبي الإسرائيلي في واشنطن...
على ماذا يؤشر هذا التحول في إستراتيجية القاعدة التي أصبحت رقما صعبا في السياسة الدولية و أصبح تأثيرها على القرار العالمي يفوق تأثير عدد من الدول و المنظمات الدولية؟
أولا: تنظيم القاعدة كغيره من التنظيمات العقدية أو الإيديولوجية، يبدأ راديكاليا ثوريا لا يؤمن بغير العنف و القتال طريقا للوصول إلى أهدافه، و مع المدة و الاحتكاك و التجربة و النجاح و الفشل يبدأ في الاقتراب من الفكر الواقعي، وتبدأ السياسة تمارس سحرها و تطرح نفسها كشكل من أشكال القتال..
ثانيا: ابن لادن و الظواهري يعرفان أنهما وصلا إلى قمة العنف التي يمكن أن يصل إليها تنظيم مسلح حيث استطاعت القاعدة ضرب امريكا في عقر دارها، و الظواهري و ابن لادن يعرفان ان القاعدة بقدر ما اصبحت فكرا عبر القارات بقدر ما وصلت استراتيجيتها الى الباب المسدود.
فهي كانت تراهن على قلب أكثر من نظام غربي و القضاء على الدولة في أكثر من قطر ومن ثم ضمان حرية الحركة، كما فعلت في أفغانستان و الصومال..لكن شيئا من هذا لم يقع.
كانت ضربتها موجعة لكنها لم تسقط أي نظام من الأنظمة، وضربتها لأمريكا كانت قاسية و لكنها لم تتكرر منذ ثماني سنوات، وهجوماتها في أوروبا كانت مدوية لكنها أدت ثمنا باهظا حيث جففت المخابرات خلايا القاعدة في أوربا ومنعت عن بن لادن الدعم المالي و اللوجستي..
ثالثا: خطاب اوباما و إدارته الجديدة إزاء العالمين العربي و الإسلامي أحرج القاعدة التي كانت تنتعش بوجود المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية ، حيث كان تطرف و انغلاق جورج بوش هو أفضل هواء يتنفسه محاربو القاعدة،
الآن هناك رئيس جديد في البيت الأبيض لم يعد يتحدث عن الإرهاب و أصبح ينتقد سلفه الذي أجج الصراع بين أمريكا و الإسلام، اوباما اليوم يعد بإغلاق غوانتانمو و بالتحقيق في جرائم التعذيب التي ارتكبت خارج القانون في بلاده و خارجها في حق أعداء أمريكا .. كيف سيقنع ابن لادن الشباب بأن باراك حسين اوباما يريد القضاء على الإسلام و هو يخطب في القاهرة مادا يده الى صفحة جديدو بين أمريكا و المسلمين.. في خطاب كتبت جل أجزائه مستشارة مسلمة و محجبة في فريق عمله..
الطريق مازال طويلا أمام تنظيم القاعدة لمراجعة خططه و خروج حركات سياسية من تحت أجنحته الكرة اليوم في الملعب الأمريكي و الأوروبي و مدى قدرته على تصحيح أخطائه وفي مقدمتهما دعم إسرائيل و جرائمها في فلسطين.
الاثنين 21 سبتمبر 2009