تقديــــــم:
تعد مدرسة النجاح من أهم مستعجلات المخطط الإصلاحي الذي دعت إليه وزارة التربية الوطنية المغربية مع الموسم الدراسي 2009-2012 م ، وقد اعتمدت في ذلك على توصيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، ونتائج التقرير السنوي للمجلس الأعلى للتعليم لسنة2008م، بالإضافة إلى ما توصلت إليه التقارير الدولية كتقرير البنك الدولي المتعلق بالتنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو ما يسمى أيضا بتقرير " الطريق غير المسلوك". هذا، وقد جاء التفكير في مدرسة النجاح لإنقاذ المدرسة الوطنية ضمن تصور إصلاحي استعجالي وفوري، بعد أن صنف التعليم المغربي ضمن المراتب الأخيرة بالمقارنة مع مجموعة من الدول العربية والإسلامية.
هذا، وقد قررت وزارة التربية الوطنية المسؤولة عن قطاع التعليم بالمغرب الأخذ ميدانيا بثلاث مستلزمات أساسية لتحقيق مدرسة النجاح، وهي: الاجتهاد، والتقويم، والفعل، مع توفير العدة المادية والمعنوية لذلك.
إذن، فما هي مدرسة النجاح؟ وما هي أهدافها ومرتكزاتها؟ وماهي خططها الإصلاحية؟ وماهي سلبياتها وإيجابياتها؟ هذا ما سنرصده في هذه الورقة التعريفية والتقويمية .
مفهـــــوم مدرســــة النجــــاح:
يقصد بمدرسة النجاح تلك المدرسة المغربية العمومية التي تمتاز بالانفتاح على محيطها الاجتماعي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وبيئيا وثقافيا، وتعمل جاهدة على تحقيق الجودة الكمية والكيفية من أجل الحصول على المردودية الحقيقية والإنتاجية المثمرة للذات والوطن والأمة. كما تتسم هذه المدرسة بالتجديد والعطاء والإبداع والابتكار إلى أن يكون المجتمع راضيا عنها. وبتعبير آخر، فمدرسة النجاح هي مدرسة وطنية متجددة مواكبة لكل المستجدات العالمية على المستوى العلمي والتقني والأدبي والفني. وتعد أيضا مدرسة مفعمة بالحياة والسعادة والحبور، ترتكن إلى التنشيط المدرسي، والاعتماد على التعلم الذاتي، وتمثل الحوار والمشاركة والاجتهاد الجماعي. ولا تتحقق هذه المدرسة في الحقيقة إلا بدمقرطة التعليم والتربية، وتطبيق البيداغوجيا الإبداعية.
وتنطبق هذه المواصفات كذلك على الجامعة المغربية التي ينبغي أن تكون جامعة منفتحة وقاطرة للتنمية.
وعليه، يعرف الميثاق الوطني للتربية والتكوين مدرسة النجاح في النقطة التاسعة من القسم الأول، والذي خصص للمبادئ الأساسية:" تسعى المدرسة المغربية الوطنية الجديدة إلى أن تكون:
أ- مفعمة بالحياة، بفضل نهج تربوي نشيط، يتجاوز التلقي السلبي والعمل الفردي إلى اعتماد التعلم الذاتي، والقدرة على الحوار والمشاركة في الاجتهاد الجماعي؛
ب- مفتوحة على محيطها بفضل نهج تربوي قوامه استحضار المجتمع في قلب المدرسة، والخروج إليه منها بكل ما يعود بالنفع على الوطن، مما يتطلب نسج علاقات جديدة بين المدرسة وفضائها البيئي والمجتمعي والثقافي والاقتصادي" .
ويعني هذا أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين مع بداية الألفية الثالثة كان يهدف إلى خلق مدرسة التجديد، بينما ينص تقرير المجلس الأعلى على مفهوم جديد هو:" مدرسة النجاح" أو " إنجاح مدرسة للجميع"،بل هناك مصطلح آخر مرتبط بمدرسة النجاح هو " مدرسة للجميع". ولا نعرف إن كانت هذه المصطلحات التي تلتصق بالمدرسة المغربية ، هل هي فعلا مصطلحات مفاهيمية علمية موضوعية قائمة على مشاريع مستقبلية ميدانية أم هي مجرد شعارات سياسية جوفاء؟!!!
هذا، وقد جاء المخطط الاستعجالي للإصلاح ، والذي تتبناه وزارة التربية الوطنية ابتداء من سنة 2009 إلى غاية 2012 م، وذلك للدفاع عن مدرسة النجاح نظريا وتطبيقيا، وإرسائها في الواقع المجتمعي.
أنـــواع المدارس التي عـــرفها التعليم المغــربي:
عرف التعليم المغربي ضمن مساره التاريخي والتنموي أنواعا عدة من المدارس كالمدرسة العتيقة أو مدرسة التعليم الأصيل، والتي ظهرت منذ فترة المرابطين ومازالت مستمرة إلى يومنا هذا. ويمكن الحديث أيضا عن المدرسة الوطنية في عهد الحماية الأجنبية على المغرب( 1912-1956م) في مقابل المدرسة الاستعمارية والمدرسة الأمازيغية .
وبعد استقلال المغرب، أصبح الحديث طويلا عن مدرسة المبادئ الأربعة، والتي تتمثل في مبدإ التعريب، ومبدإ التوحيد، ومبدإ التعميم، ومبدإ المغربة. وبعد أن عرف المغرب مجموعة من الأزمات على جميع المستويات والأصعدة منذ السبعينيات من القرن العشرين إلى بداية الثمانينيات مع حرب الصحراء وتوالي سنوات الجفاف، بدأ الحديث جادا وصريحا عن مدرسة الأزمة ومدرسة الإصلاح على حد سواء، لينتقل المغرب بعد ذلك للحديث عن عدة مدارس في التسعينيات من القرن الماضي كمدرسة المقاولة، ومدرسة الجودة، ومدرسة الشراكة، ومدرسة المشروع، ومدرسة للجميع، والمدرسة الجديدة، ومدرسة النجاح.
وهناك من يتحدث اليوم عن مدرسة جديدة تسمى بـ" مدرسة المستقبل " كما تم التصريح بذلك في إعلان دمشق لسنة 2000م. وتقول وثيقة إعلان دمشق:" نحن – وزراء التربية والتعليم والمعارف في الوطن العربي- المجتمعين في دمشق في مؤتمرنا الثاني، الذي عقدته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بالتعاون مع وزارة التربية في الجمهورية العربية السورية بدمشق يومي27و28 من شهر ربيع الثاني سنة 1421هـ(29و30 من شهر تموز/ يوليو 2000م) من أجل تصور واضح وخطة إجرائية شاملة لبناء " مدرسة المستقبل" بناء فعالا ومستمرا " .
وإذا كان الدكتور مصطفى محسن يدافع في المغرب عن مدرسة المستقبل كما في كتابه" مدرسة المستقبل رهان الإصلاح التربوي في عالم متغير"، فإن الدكتور جميل حمداوي يدافع عن مدرسة الإبداع في كتابه" من مستجدات التربية الحديثة والمعاصرة". وتهدف مدرسة الإبداع في الحقيقة إلى تغيير المجتمع تغييرا إيجابيا عن طريق دمقرطة التربية والتعليم، والمرور إجباريا بثلاث مراحل أساسية، وهي: مرحلة المحاكاة ، ومرحلة التجريب، ومرحلة الإبداع، مع الجمع بين التكوين النظري والتطبيقي من أجل تحقيق التنمية والتقدم والازدهار.
أهـــداف مدرســـة النجاح:
تستند مدرسة النجاح في التعليم المغربي حسب المذكرة الوزارية رقم 73 بتاريخ 20ماي 2009م إلى مجموعة من الأهداف والغايات. ومن أهم هذه الأهداف الخاصة والعامة نذكر ما يلي :
1- تنفيذ مبادئ المخطط الاستعجالي لإنقاذ المنظومة التربوية من عوامل التردي والانتكاس والتخلف؛
2- الارتقاء بالمنظومة التعليمية عن طريق إصلاح المدرسة الوطنية سواء أكنت تنتمي إلى القطاع العمومي أم الخصوصي؛
3- ترسيخ ثقافة اللامركزية واللاتمركز؛
4- إعطاء صلاحيات أكبر وأوسع لتدبير الشأن الجهوي والإقليمي والمحلي؛
5- جعل المدرسة نقطة ارتكاز المنظومة التربوية قصد إصلاحها وتطويرها؛
6- توفير كافة الوسائل الضرورية للارتقاء بجودة الخدمات التي تقدمها المؤسسة التعليمية؛
7- وضع اعتمادات مالية هامة رهن إشارة المؤسسات التعليمية لمساعدتها على بلورة مشاريعها ، اعتمادا في ذلك على أساليب علمية مرنة؛
8- إحداث جمعيات لدعم مشروع المؤسسة، والذي يعتبر دعامة أساسية في تحقيق مدرسة النجاح، وتسمى هذه الجمعيات بـ" جمعية دعم مدرسة النجاح". وتتكلف هذه الجمعية بوضع مشاريع المؤسسة، وصرف الاعتمادات الخاصة بدعمها، وبلورة أهدافها على أرض الواقع؛
9- الرفع من مستوى الحكامة الجيدة بالمؤسسة التعليمية من خلال التدبير العلمي والمعقلن المرتكز على المقاربة التشاركية والتدبير بالنتائج؛
10- إرساء آليات النهوض بالحياة المدرسية بالمؤسسة التعليمية ماديا ومعنويا؛
11- منح دينامية وتعبئة وانخراط تربوي واجتماعي لجميع الفاعلين والمتمدرسين بالمؤسسة التعليمية ولشركائها؛
12- الرفع من أداء المؤسسة التعليمية و قدرتها التنافسية، وتطوير منتوجها التربوي؛
13- الانفتاح الواعي للمؤسسة التعليمية على محيطها الاجتماعي والاقتصادي؛
14- تنمية الأنشطة الاجتماعية والثقافية بالمؤسسة التعليمية؛
15- القيام بشراكات مع مختلف الفاعلين في الحقل التربوي على المستوى المحلي والجهوي والوطني لدعم مدرسة النجاح والارتقاء بها.
هذه هي أهم الأهداف التي سطرتها وزارة التربية الوطنية عبر أدبياتها ومذكراتها وتقاريرها الاستعجالية لإصلاح المدرسة الوطنية والارتقاء بها تقدما وازدهارا وتنمية.
====================================================
البوابة الإفريقية للتربية والتكنولوجيا