إنّ من أهم القضايا التي يواجهها المعلم أثناء الدرس، قضية الاستحواذ على انتباه طلابه طوال الحصة الدراسية، وألا يتحول تركيزهم، أو أحد منهم إلى موضوع آخر يفقدهم القدرة على التعلم، وخاصة أنّ الانتباه الحقيقي، يعتبر شرطاً أساسياً من شروط الإدراك.
ولذلك إنَّ المعلم الذي يجيد اختيار المثيرات التي تحفّز الطلاب على التركيز والانتباه، ويجسن انتقاء الأساليب الخاصة بتحريض التفاعل الصّفّي بينهم أثناء سير الدرس، هو المعلم الأكثر نجاحاً في تحقيق الأهداف المخطط لها من هذا الدرس.
وعلى العكس من ذلك، فكثيراً ما يفشل المعلم في تحقيق مستويات أفضل من التحصيل العلمي لدى هؤلاء الطلاب، وذلك بسبب عدم قدرة المعلم على الاستحواذ على انتباههم، فيتملكهم الملل، ويتأصل في نفوسهم الشرود والانصراف عن الشرح، وتكون النتيجة الفشل في تحقيق الأهداف.
ولأهمية الانتباه في عملية التعلّم، ولما يحققه من الفهم والاستيعاب والتحصيل لدى الطلاب - على اختلاف مراحلهم التعليمية - فلابد من تناول هذه المهارة بالدراسة والتحليل، حتى يتمكن المعلم من إتقانها والعمل بموجبها.
الباب الأول
التعريف بمهارة الاستحواذ على انتباه الطالب:
هي مجموعة الإجراءات المتخذة من قِبل المعلم أثناء الموقف التعليمي، بغرض إثارة الطلاب لكافة خطوات سير الدرس التي يقوم المعلم بشرحها، حتى يتمكنوا من فهم محتوى الدرس، والتعبير عنه كتابةً أو لفظاً، بحسب الأهداف المرسومة له.
ويجب أن تتكامل هذا الإجراءات مع المهارات الأخرى، التي يفترض أن يكون المعلم قد أتقنها، كقدرته على الشرح، وطرح الأسئلة، واستثارة الدافعية للتعلم لدى الطلاب، واستخدام الوسائل التعليمية، وأساليب التقييم القبلي والبعدي، وغيرها من المهارات، حتى تكون هذه الإجراءات قادرة على إحداث تأثير فعّال في سلوك الطلاب أثناء الدرس، يجعلهم قادرين على التركيز طيلة الحصة.
وحتى يتقن المعلم مهارة الاستحواذ على انتباه الطلاب، لابد له من التعرف على الانتباه وأهميته في عملية التعلم.
الانتباه وأهميته في عملية التعلم
1/ تعريف الانتباه:
اتفق معظم علماء النفس على تعريف الانتباه بأنه: القوة النفسية، التي تقوم على تركيز الشعور، وتوجيهه نحو موضوع ما، بهدف التعرف عليه وإدراكه.
2/ درجات الانتباه عند الطلاب:
أ/ الانتباه القسري:
وهو أدنى درجات الانتباه، ولا يتحقق فيه التركيز الكافي لحدوث عملية التعلم لدى الطالب، فهو ليس انتباهاً حقيقياً وإنما قسرياً، والقسر عكس التركيز، ومثاله: سماع الطالب لصوت المعلم ولكن لو طلب منه عن ماذا يتحدث لعجز عن الإجابة عن أي سؤال. وربما لا يسمع صوت المعلم إلا عند مواقف خاصة كرفع صوت مفاجئ، أو توقف عن الكلام، أو غير ذلك من الأحداث التي تجعل الطالب ينتبه قسراً، ويصحو قليلاً من غفوته.
ب/ الانتباه العفوي:
وهو الانتباه التابع لاهتمامات الطالب، ورغباته وميوله، فهو لا يركز إلا على الأشياء التي يحبها، ويرغب بها، ويتشوق لسماعها، لأنها ترضي حاجةً ما لديه، كأن ينتبه لشرح قوانين كرة القدم، لأنه يحبها دون غيرها، وكحال الطلاب (المنتظرين عقلياً) وهم الذين تكون لديهم أفكار معينة، أو تساؤلات خاصة، أو تعليقات يرغبون في الإدلاء بها، وينتظرون لحظة وصول المعلم إلى نقطة التحدث عنها، فينتبهون إلى كلامه بغية عرض هذه الخواطر والأفكار والتعليقات، بينما هم شاردون عن بقية الجزئيات الأخرى، فتكون حصيلة هذه الدرجة ضعيفة، لا تصل إلى المستوى المطلوب.
جـ/ الانتباه الإرادي:
وفي هذا المستوى يكون انتباه الطالب أعلى مستوىً من سابقيه، إذ تتدخل إرادة القوة لدى هذا الطالب في إلزام نفسه على التركيز الجيد بغية فهمه للدرس _ بصرف النظر عن حبه له أو عدم حبه _ ويحدث هذا النوع من الانتباه عند الطلاب الذين يدركون بأن عملية الاختيار في التركيز على جزء من المعلومات وإهمال الأخرى، تعرضهم للفشل آخر العام، وخاصة إذا كان لدى الطالب طموح للحصول على نسبة ممتازة، تؤهله لمتابعة الدراسات العليا بحسب رغبته واختياره.
د/ الانتباه العقلي:
وهو أعلى درجات الانتباه، حيث يبلغ التركيز فيه ذروته عند الطالب، وفي هذه الدرجة من التركيز تتفاعل أكثر من قوة نفسية عقلية لديه، فهو يفهم ويدرك ويتخيل، ويحلل ويركب، ويسأل ويجيب وهكذا في حالة حيوية، فيكون أكثر تميزاً من غيره، في إحاطته بالمعلومات من جميع جوانبها. وهذا المستوى من الانتباه هو ما نسميه بالانتباه الحقيقي.
2-شروط تحقيق الانتباه لدى الطالب:
يتطلب تحقيق الانتباه لدى الطالب شرطين
أ/ التلاؤم العضوي والجسمي:
ويعني اتخاذ وضع جسمي عضوي حركي مناسب للتركيز، كالتحديق في المعلم، والجلوس باتزان، والتأمل في الأفكار، وعدم وضع اللبان في الفك، إذ أن حركة الفم السفلي تمنع التركيز الجيد. والطالب المتكئ برأسه على الجدار لا يمكنه التركيز، وكذلك الطالب الذي يرتمي بصدره ورأسه على الطاولة أمامه.
ب/ التلاؤم الذهني -العقلي:
الانتباه عملية نفسية عقلية تقوم على الحذف والاصطفاء _ حذف كل ما ليس له علاقة بموضوع الانتباه من ساحة الشعور، وانتقاء المعلومات التي لها علاقة به _ فعندما يبدأ درس الفيزياء يجب أن تفرغ ساحة الشعور من كل المعلومات السابقة من تاريخ أو كيمياء أو أدب أو خواطر خاصة، أو غير ذلك، ويستحضر إلى شعوره كل ما له علاقة بالدرس الجديد، كالقوانين التي درسها في الدرس السابق والمعلومات التي تخدم هذا الدرس.
ومن المهم أن نشير إلى أن مرحلة التمهيد والإثارة المبدئية، التي يجريها المعلم قبل بدء الدخول في شرح درس جديد، تستهدف هذا الجانب من الانتباه.
3-خاصية الانتباه في عملية التعلم:
أ/ الانتباه شرط أساسي من شروط التعلم:
لأن الانتباه يحفز جميع الإحساسات الخاصة بالعالم الخارجي لاستقبال المنبهات، وتحويلها إلى المراكز العقلية لتفسيرها، والتعرف على علاقاتها وقوانينها، كما أنه وفي الوقت نفسه يحفز القوى النفسية الداخلية لتفسير هذه المنبهات، وإدراكها والقدرة على التعبير عنها. ولهذا فإن الشارد لا يدرك شيئاً من عمليات التعلم.
ب/ الانتباه قوة نفسية معقدة:
لأنها تقوم على تكامل الوظائف النفسية الأخرى، كالإدراك والتذكر والذكاء والخيال، والتحليل والتركيب بالإضافة إلى الحالات الانفعالية، والمزاجية للطالب. وهذا ما يتطلب من المعلم أثناء ممارسته للعملية التعليمية داخل الفصل أن يعمل على استثارة كامل هذه القوى، ليمكن الطالب من تحقيق الانتباه الحقيقي الذي يسهم في الاستيعاب المطلوب.
ج/ الانتباه قوة نفسية تحتاج إلى جهد:
وهذا الجهد قد يرهق الطالب، وخاصة إذا كان لفترات طويلة، وهنا تكمن حنكة المعلم في معرفته لمدى صبر الطلاب على الاستمرار في الانتباه، والتفاعل مع المحتوى العلمي للمادة التعليمية.
بناء على هذا الأساس يجب أن يحدد لذاته الفترة المطلوبة التي يتم فيها عرض المعلومات المطلوبة، عرضها دون إحداث ملل أو شرود أو تذمر من قبل الطلاب. ثم يستهلك الوقت المتبقي من الحصة لأغراض إثرائية أخرى.