عندما سألنا عمور، وزير «الدوران والتحواص» المكلف بالجالية المغربية المقيمة في الخارج، عن رأيه في إشكالية دعارة المغربيات في بلدان الخليج، قال إن الموضوع مبالغ فيه، وإن الصحافة تضخمه من أجل رفع مبيعاتها.
لا نعرف إن كان السي عمور قد غير اليوم رأيه بعد الأحكام القاسية التي صدرت في حق شبكة السوريين الذين كانوا يستغلون المغربيات في الدعارة بالإمارات العربية المتحدة، والتي انتهت بسبعة من أفراد من شبكتهم في السجن المؤبد بينما أخذ ستة آخرون منهم عشر سنوات. أما المغربيات اللواتي فضحن الشبكة فلم تتخذ في حقهن المحكمة أية إجراء. فالقضاء في الإمارات العربية ليس كالقضاء في المغرب الذي يعاقب الضحايا عندما يفضحون جلاديهم، في الوقت الذي يتغاضى فيه عن الجلادين.
الأحكام التي صدرت في الإمارات ضد شبكة استغلال المغربيات في الدعارة درس للأمن والقضاء المغربيين اللذين يتساهلان، في عقوباتهما وأحكامهما القضائية، مع شبكات الدعارة. وهو درس أيضا لكل أولئك الفتيات اللواتي يفكرن في التوجه إلى الخليج للعمل في الدعارة، أو اللواتي ينخدعن بالعقود المزيفة للكباريهات والفنادق التي تقترح عليهن العمل كراقصات ومجالسات، وبمجرد ما ينزلن من الطائرة يكتشفن أنهن أصبحن أسيرات لأسيادهن السوريين واللبنانيين الذين يصادرون منهن جوازات سفرهن ويتاجرون في لحومهن وهن أحياء.
الحمد لله على أن تحقيقاتنا حول دعارة المغربيات في لبنان والبحرين والأردن نجحت في تحريك أمن وقضاء دولة البحرين، أما المغرب فوزيره في «التحواص» مقتنع بأن المشكل في أصله ليس سوى اختراع اهتدت إليه الصحافة للرفع من مبيعاتها.
السيد وزير الجالية المغربية المقيمة بالخارج ينسى أن الذي يريد أن يرفع من مبيعات أوراقه ليس نحن، لأن مبيعاتنا ولله الحمد مستقرة، وإنما وكالة «زلاغ» للأسفار في فاس والتي يعرف السيد الوزير جيدا مالكها.
هذه الوكالة التي يملكها ياسر جوهر، الذي ليس شخصا آخر غير أخ زوجة وزير الجالية السي عمور، وابنة محمد جوهر، المسؤول الجهوي والكاتب الإقليمي السابق للاتحاد الاشتراكي، هي من يحتكر تنظيم أغلب الأسفار والأنشطة التي تقوم بها وزارة الاتحادي عمور.
ولهذا الغرض، خصص سعادة وزير «التحواص» سيارة وزارية خاصة للتنقل من الرباط إلى فاس لإحضار بطاقات السفر الخاصة برحلات الضيوف الجوية من وكالة أخ زوجته، مع أن القانون يفرض عليه أن يعلن عن طلبات عروض وينشرها في الصحافة لكي يفتح المجال أمام وكالات أسفار أخرى للتنافس من أجل الفوز بصفقات تدبير رحلات السيد الوزير وضيوفه، خصوصا إذا كان الغلاف المالي لهذه الصفقات يصل إلى 20 مليون درهم، وهو رقم المعاملات الذي قد تكون حققته هذه الوكالة مع الوزارة.
لا تفزعوا من سماع هذا الرقم، فخلال «يوم المهاجرين» الذي نظمته وزارة السي عمور، تمت دعوة حوالي 500 مهاجر مغربي للمشاركة في تخليد هذا اليوم. وكل هؤلاء الضيوف كانوا يحملون بطاقات سفر حجزتها لهم وكالة «زلاغ» بفاس. وليس بطاقات السفر وحدها، وإنما حتى الفنادق التي سينزلون بها والمطاعم التي سيأكلون فيها تكفلت بها وكالة أخ زوجة الوزير الاتحادي.
وخلال «اللقاء الدولي حول الأزمة الاقتصادية» الذي نظمته وزارة السي عمور في الرباط، تكفلت الوكالة نفسها بإرسال بطاقات السفر إلى المشاركين الثلاثمائة الذين جاؤوا من مختلف بقاع العالم للمشاركة، كما تكفلت بمأكلهم ومأواهم.
وفي «لقاء فاس» الذي حضره 300 مهاجر، كانت وكالة «زلاغ» هي التي تكفلت بالسفر والإقامة والأكل. وحتى في عيد العرش الأخير الذي استضاف فيه عمور 350 مهاجرا إلى المغرب من جميع دول العالم، كانت وكالة «زلاغ» هي التي تكفلت بكل شيء.
وخلال هذه اللقاءات وحدها التي ذكرناها، دون أن نضيف إليها تنقلات السيد الوزير شبه الأسبوعية عبر العالم، نستخلص بعملية حسابية بسيطة أن وكالة أخ زوجة الوزير تكفلت بحوالي 1450 زبونا. إذا تقاضت الوكالة 15 ألف درهم عن كل «رأس» فإننا نفهم جيدا رقم العشرين مليون درهم الذي ربحته وكالة «زلاغ» بفضل احتكارها لصفقات رحلات وإيواء وإطعام ضيوف الوزير عمور.
إن وزير الجالية، الذي ينتقد تخصيص الصحف لتحقيقات حول دعارة المغربيات في الخليج ويتهمها بالرغبة في الرفع من مبيعاتها بتضخيم المشكل، ينسى أنه إذا كان هناك من شخص يلجأ إلى التضخيم من أجل الرفع من مبيعاته فهو السيد الوزير نفسه. فمنذ أن جلبه اليازغي معه إلى حكومة عباس من ديوانه بوزارة الماء، والرجل لا ينزل من طائرة إلا لكي يركب طائرة أخرى، حتى إنه إذا أراد أن يجدد بطاقتة الوطنية فسيكون عليه أن يجلب شهادة السكنى من «الطيارة».
مشاكل الجالية لا تحل بالأسفار والجولات واللقاءات الأقرب إلى «العراضات» منها إلى التظاهرات، وإنما تحل بالإنصات للجحيم اليومي الذي يعيشونه كلما اضطرتهم الظروف إلى الذهاب إلى مقرات القنصليات لتجديد وثائقهم أو لاستخلاص وثائق إدارية لتسوية وضعيتهم أو وضعية أبنائهم.
مثل هذه المشاكل إذا أراد السيد الوزير أن يساهم في حلها فيكفي أن يمارس مهامه ومسؤولياته من قلب ديوان وزارته بالرباط. أما مهمة السفر و«التحواص» في أرجاء المعمور وزيارة السفراء في بيوتهم، فيمكن أن يسندها إلى أطر وزارته «الشابة».
وبمناسبة الحديث عن أطر وزارة عمور «الشابة»، هل يعرف عباس الفاسي، الوزير الأول، أن ديوان وزير الجالية شهد قبل أيام «مناتفة»، على طريقة «مناتفة الحمامات»، بين موظفتين شابتين انتهت بإصابة إحداهما بعجز حدده الطبيب في ثلاثين يوما. فقد أبلت مستشارة من مستشاري السيد الوزير في «نتف» منافستها داخل الديوان «نتيف الدجاج»، استعملت فيه الأظافر الطويلة.
ويبدو أن «الشابة» المهاجمة لم تكن من «العاجزين»، وذهبت هي الأخرى عند الطبيب الذي حرر لها شهادة طبية تحدد عجزها في ما شاء الله من الأيام. لكي تنتهي الشهادتان الطبيتان مرفقتين بالشكاية بين يدي شرطة الرباط.
«موظفات الوزارة منوضات قيامة فالديوان وسعادة الوزير عاطيها للطوطيح فبلادات الناس وما جايب للدنيا خبار». وربما كان الوزير معذورا في جهله بما يجري ويدور في وزارته، خصوصا وأن بناية الوزارة مقسمة إلى بنايتين، بناية يوجد بها الوزير وبناية مقابلة يوجد بها الكاتب العام للوزارة وأطره «الشابة».
يبدو أن الوقت « تلات» بالوزارات في المغرب، إلى الحد الذي أصبحنا نسمع فيه حكايات وأخبار «التقاميش» بين موظفات الديوان «الشابات»، إحداهن جاءت إلى وزارة الجالية من ديوان وزارة تحديث القطاعات العمومية التي سارت بذكرها الركبان عندما «تربع» وزيرها «عبو» أمام باب المجلس الجهوي للحسيمة في اعتصام مفتوح احتجاجا على حرمانه من الترشيح للانتخابات.
أما الوزير الأول الذي من المفروض أن يوقف هذا العبث، وأن ينبه وزيره في الجالية إلى ضرورة الابتعاد عن الشبهات وفتح المجال لوكالات أسفار أخرى للاستفادة من صفقات وزارة «التحواص»، فإنه شبه غائب عن الوجود.
فالمسكين منشغل بـ«خطيف البلايص» الشاغرة في المؤسسات الحكومية والعمومية لصالح أبناء عائلته الصغيرة.
يبدو أننا دخلنا زمن الخطفة «بالعلالي».
«الله يحد الباس أعباس».