نتصور أسامة بن لادن متكئاً على عصاه، متجولا في جبال باكستان أو أفغانستان وبرفقته مساعده صديقه أيمن الظواهري، ونتصوره مع موظفي مؤسسة سحاب الإعلانية التابعة له، منشغلاً في تسجيل شريط صوتي أو مصور يتحدث فيه عن الشؤون والشجون الأفغانية والباكستانية، أو العراقية والإيرانية، أو حتى الفلسطينية في بعض الأحيان.
لكننا لا نتصوره أبداً يشغل نفسه أو أحدا من بطانته بمسائل مثل الاحتباس الحراري كما فعل في آخر شريط صوتي بثته قناة الجزيرة مساء الجمعة، وهو قد ينتقد الولايات المتحدة ويوجه إليها التهديدات القاسية متوعداً ومتعهدا بملاحقتها والإضرار بها من خلال تكرار هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، ولكن لم نتخيله أبداً وقد ضاقت به القضايا والأحداث إلى الحد الذي جعله يتناول الانبعاثات السامة التي تنفثها المصانع الغربية إلى طبقة الأوزون مما يتسبب في ارتفاع درجة حرارة الأرض وذوبان جليد القطبين وتهديد سواحل الكرة الأرضية بموجات تسونامي مرعبة في العقد القادم من هذا القرن.
كان شريطه الأخير هذا مثيراً للدهشة وللاستغراب، فقضية الاحتباس الحراري بالنسبة لشخص مثل أسامة بن لادن هي قضية ترف سياسي تتم مناقشتها في الصالونات الأنيقة وليس في الملاذات الباكستانية «الآمنة» أو رؤوس الجبال الأفغانية ذات البرودة العالية.
لم يتوقع أحد أن يبحث بن لادن قضايا التغير المناخي والعولمة والأزمة المالية العالمية أو أن يهاجم الولايات المتحدة لعدم توقيعها اتفاقية "كيوتو" التي تهدف إلى خفض نسبة الاحتباس الحراري، ذلك أن مثل هذه القضايا لا تليق أبداً بمواصفات رجل يتزعم تنظيما كالقاعدة وتطارده مخابرات العالم بأسره.وليس هذا فقط، بل دخل الرجل عالم الفلسفة أيضا عندما استعار من المفكر الأميركي اليهودي "نعوم تشومسكي" مقارنته السياسات الأميركية بسياسات المافيا، دون أن يغفل اتهام الأميركيين بأنهم الارهابيون الحقيقيون.
لا ندري بعد هذا الشريط الغريب العجيب ما الذي سيطلع به بن لادن علينا، لكننا لا نستغرب أن يدعو في المرة القادمة إلى إشراكه في المؤتمرات الدولية المتعلقة ليس فقط بالأمور المناخية، ولكن بالقضايا السياسية والاقتصادية الحساسة، وإلى إتاحة الفرص له لمخاطبة العالم من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة!.
صحيفة الوطن القطرية الأحد 31/01/2010